“الخجل” وأشكال جديدة من العار على الإنترنت
## “الكرينج”: عندما يصبح الإحراج الرقمي وباءً اجتماعياً
هل سبق وشاهدت فيديو أو منشورًا على الإنترنت جعل جسدك يقشعرّ حرجًا، ليس من أجلك، بل من أجل الشخص الذي قام بنشره؟ هذا الشعور، يا صديقي، هو ما يُعرف بـ “الكرينج”.
في عالمنا الرقمي المُتسارع، برزت ظاهرة “الكرينج” كشكل جديد من أشكال الإحراج الاجتماعي. فهو ليس مجرد شعور بالحرج العابر، بل هو إحراج بالنيابة، يُصيبنا عندما نشهد سقطة رقمية لشخص آخر، كأن نراه يُشارك محتوى مبتذلًا أو يُطلق تصريحًا ساذجًا على الملأ.
“عار الأصدقاء”: عندما يتحول “الكرينج” إلى عبء نفسي
ولعلّ أبرز ما يُميّز “الكرينج” هو قدرته على تحويل الإحراج الفردي إلى تجربة جماعية. ففي بعض الأحيان، نشعر بعبء “عار الأصدقاء”، أي الحرج الذي ينتابنا جراء سلوك صديق أو قريب على الإنترنت. ونجد أنفسنا نتساءل: ”كيف يمكنه فعل ذلك؟” أو “هل يُدرك كم يبدو سخيفًا؟”.
ولعلّ خير مثال على ذلك هو ظاهرة “الاستعراض الزائف” التي انتشرت على نطاق واسع خلال السنوات الأخيرة، حيث يسعى البعض إلى لفت الانتباه عبر نشر محتوى مُصطنع أو مُبالغ فيه، ما يُثير موجة من السخرية والاستهجان من مُتابعيهم.
هل تُصبح “ملفاتنا الشخصية” سجلًا دائمًا لإخفاقاتنا؟
في الماضي، كان الإحراج الاجتماعي قصير الأمد، سرعان ما يتلاشى مع مرور الزمن. لكن في عصر الإنترنت، أصبحت “ملفاتنا الشخصية” بمثابة سجل دائم لكل ما نقوم به ونقوله، ما يجعلنا أكثر عرضة للنقد والسخرية.
فكل صورة ننشرها، وكل تعليق نكتبه، وكل فيديو نُشاركه، يُضاف إلى أرشيفنا الرقمي، الذي يُمكن لأي شخص الوصول إليه في أي وقت. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل تُصبح “ملفاتنا الشخصية” سجلًا دائمًا لإخفاقاتنا؟
“الكرينج” كبوصلة أخلاقية في عالم افتراضي
على الرغم من الجانب السلبي لظاهرة “الكرينج”، إلا أنها تُشكّل في بعض الأحيان بوصلة أخلاقية تُساعدنا على تحديد السلوكيات المقبولة وغير المقبولة في العالم الافتراضي.
فعندما نشهد ردود فعل سلبية تجاه محتوى مُعين، نُدرك بشكل غير مباشر أن هذا النوع من المحتوى غير مُرحّب أو مُناسب للنشر. وهذا ما يُساعدنا على تحسين سلوكنا الرقمي وتجنّب الوقوع في فخ “الكرينج”.
كيف نتجنّب “الكرينج” في عالم رقمي مُتقلّب؟
في عالم افتراضي مُتقلّب، حيث تتغيّر المعايير الاجتماعية بسرعة البرق، قد يكون من الصعب تجنّب “الكرينج” بشكل كامل. لكن هناك بعض النصائح التي يُمكن اتباعها لتقليل خطر الوقوع في هذا الفخ:
- التفكير مليًا قبل النشر: قبل مشاركة أي محتوى على الإنترنت، توقف للحظة واسأل نفسك: “هل هذا المحتوى مُناسب؟” “هل يُمكن أن يُسيء إلى أي شخص؟” “هل سأندم على نشره لاحقًا؟”.
- مُتابعة آداب السلوك الرقمي: تعرّف على آداب السلوك الرقمي الأساسية، مثل تجنّب التنمر الإلكتروني، واحترام خصوصية الآخرين، وعدم نشر معلومات شخصية حساسة.
- التعلّم من أخطاء الآخرين: بدلاً من السخرية من الأشخاص الذين يقعون في فخ “الكرينج”، حاول أن تتعلّم من أخطائهم وتجنّب تكرارها.
ختامًا، يُشكّل “الكرينج” ظاهرة اجتماعية مُعقّدة، لها جوانبها الإيجابية والسلبية. فمن ناحية، يُمكن أن يكون أداة فعّالة لتصحيح السلوكيات الخاطئة وتعزيز القيم الأخلاقية. ومن ناحية أخرى، يُمكن أن يُصبح عبئًا نفسيًا يُؤثّر سلبًا على ثقتنا بأنفسنا وعلاقاتنا الاجتماعية. لذا، علينا أن نكون حذرين وواعين عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأن نسعى جاهدين لنشر محتوى إيجابي وبنّاء يُساهم في بناء مجتمع رقمي أفضل للجميع.