وجه طفولي: ارتفاع نسبة الأطفال الذين يستخدمون منتجات مكافحة الشيخوخة
## هوس الشباب بمنتجات مكافحة الشيخوخة: انعكاسٌ لقيمنا أم ضحيةً للتسويق؟
*بقلم جيسيكا ساذرلاند، جامعة وارويك، وهيذر ويدوز، جامعة وارويك*
انتشرت في عالمنا الرقميّ صيحاتٌ جماليّةٌ لافتةٌ مثل “بشرة الزجاج” و”بشرة السحاب” و”التوهّج العصبيّ”، لكنّ أكثرها إثارةً للقلق هو هوسُ الشباب بمنتجات مكافحة الشيخوخة! فقد أشارت بعض التقارير إلى أنّ أطفالاً في العاشرة من عمرهم يلحّون على والديهم للحصول على هذه المنتجات. ووجدت دراسةٌ حديثةٌ أنّ نسبةً مُقلقةً من الفتيات الصغيرات، تتراوح أعمارهنّ بين 10 و 17 عامًا، يشعرن بالقلق من تقدّم ملامحهنّ مع التقدّم في العمر، ويعود ذلك جزئيًا إلى التعرّض المُكثّف لمحتوى العناية بالبشرة الموجّه للبالغين. 1,2
تكمن المُشكلة في أنّ مُستحضرات العناية بالبشرة تُصنّع عادةً لبشرة البالغين، وتحتوي على مكوّناتٍ قاسيةٍ مثل الريتينول وفيتامين سي وأحماض ألفا وهيدروكسي، مما يجعلها غير مُناسبةٍ لبشرة الأطفال والمراهقين. لكنّ هذا لم يمنع رواجها بينهم، خاصّةً مع انتشارها الواسع على منصّات التواصل الاجتماعيّ. فعلى سبيل المثال، أثارت علامة “Drunk Elephant” الشهيرة جدلاً واسعًا بعد انتشار استخدامها بين الأطفال، وحذّر أطبّاء الجلد من تأثيراتها السلبيّة على بشرتهم. وقد اضطرت الشركة إلى نشر قائمةٍ بالمنتجات الآمنة للأطفال ردًّا على هذه المخاوف. 3,4
في مقابلةٍ مع BBC Newsround، أقرّ أحد المراهقين بأنّه يشتري هذه المنتجات لمجرّد رؤيتها على تطبيق ”TikTok” لأنّها تبدو ”رائعة”. 5 ويؤكّد الدكتور بروك جيفى، طبيب الأمراض الجلدية، في حديثه لصحيفة “USA Today” على تأثير وسائل التواصل الاجتماعيّ في هذا الشأن، قائلًا: “يتعرّض الأطفال للتسويق المُكثّف لهذه المنتجات التي أصبحت رمزًا للوجاهة الاجتماعيّة”. 6 فعلى سبيل المثال، يُوجد على تطبيق ”TikTok” أكثر من 316 ألف منشور يحمل وسم #الريتينول. ويتأثّر الأطفال بهذه الحملات الإعلانيّة دون إدراكٍ للدوافع التجاريّة وراءها. فقد أظهرت دراسةٌ أجرتها Ofcom أنّ 27% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 17 عامًا يعتقدون أنّ المنشورات التي تتضمّن منتجاتٍ معيّنةً على Instagram تكون صادقةً وتُعبّر عن رأي صاحبها، بينما يعتقد 24% أنّ الهدف منها هو مشاركة معلوماتٍ قيّمةٍ مع المُتابعين.
ولا يقتصر الأمر على المُؤثّرين من فئة الشباب، بل يشمل أيضًا أولئك الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين. فقد أظهرت دراسةٌ أجرتها شركة Tribe Dynamics لعام 2022 أنّ 47% من المُؤثّرين الذين تمّ استطلاع آرائهم (236 مُشاركًا) تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 عامًا. 8 وبذلك، تصل هذه المحتويات إلى الأطفال بسهولةٍ من خلال خوارزميّات وسائل التواصل الاجتماعيّ.
قد يجد البعض هذا الاتّجاه مُحيّرًا، بينما يسخر آخرون من هؤلاء الأطفال الذين يُطلق عليهم “أطفال سيفورا” وهم يُنفقون أموالهم على مستحضرات التجميل. 9 لكنّ السّخرية ليست بالحلّ، فالأطفال يتعرّضون لضغوطٍ هائلةٍ للحصول على مظهرٍ مثاليّ، ونحن من نُرسّخ هذه الفكرة بإعلاء قيم الجمال والمظهر على حساب الصّحة والتّعليم. فإذا ظلّ تركيزنا منصبًّا على المظاهر الخارجيّة، فلا ينبغي أن نستغرب سعي أطفالنا نحو تحقيق معايير الجمال الخاطئة التي تُروّج لها وسائل التواصل الاجتماعيّ. 10 لقد أصبحوا، شأنهم في ذلك شأن الكثيرين منا، عبيدًا لفكرة الشّباب الأبديّ يبحثون عن بشرةٍ ناعمةٍ خاليةٍ من العيوب كما تُصوّرها صور “إنستغرام” المُعدّلة.
إنّ هوس الشّباب بمنتجات مكافحة الشيخوخة ليس سوى انعكاسٍ لقيمنا ومعتقداتنا التي نُرسّخها فيهم. فإذا أردنا حماية أطفالنا من هذه الدوّامة، فعلينا أن نُغيّر من طريقة تفكيرنا ونُعلّمهم أنّ القيمة الحقيقيّة تكمن في الشّخصيّة والعقل وليس في المظاهر الخارجيّة.