لماذا تعتبر معتقدات الإرادة الحرة مهمة؟
## هل نملك حقاً حرية الاختيار؟ نظرة على المسؤولية الأخلاقية ونظام العدالة
في نقاش سابق حول الإرادة الحرة، تطرقنا إلى تأثير مفهومها على مسائل جوهرية كالمسؤولية الأخلاقية والقانونية، ومدى أحقية لوم أو مدح الأفراد، وتحديد العواقب المناسبة للأفعال السيئة. سنخوض في هذا المقال في تفاصيل هذه التداعيات.
ما هو مفهوم “الإرادة الحرة” اللازم لتحميل الشخص المسؤولية؟
قد يختلف شخصان حول وجود “الإرادة الحرة” من عدمها بسبب اختلاف تصورهما لها. لكن عند إلقاء اللوم على شخص بسبب سلوك ضار، يصبح هناك مفهوم واحد فقط له معنى منطقي، وهو أن الشخص تصرف عن عمد وكان بإمكانه التصرف بشكل مختلف في نفس الظروف.
إن الاعتقاد بأن (١) سلوك الشخص الضار كان متعمدًا، و(٢) أن الشخص كان بإمكانه التصرف بشكل مختلف، هو الأساس الذي نُحمّل به المسؤولية الأخلاقية في حياتنا اليومية والمسؤولية الجنائية في نظام العدالة (Guidry، 2024). فحدسنا يخبرنا أنه إذا كان سلوك الشخص عرضيًا وليس متعمدًا، أو إذا لم يكن حرًا في اختيار تصرفه، فإن لومنا له يصبح أقل مبررًا.
تأثير محدودية “الإرادة الحرة” على نظام العدالة الجنائية
يدرك نظام العدالة الجنائية الحديث أن الاضطرابات الواضحة في وظائف الدماغ يمكن أن تحد من “الإرادة الحرة” للشخص. فمثلاً، قد يعاني مرضى الفصام من هلاوس سمعية تأمرهم بإيذاء الآخرين (Dougherty et al., 2015)، أو قد يعاني شخص مصاب بورم في الدماغ من رغبة قهريّة في القتل (Johnson, 2018). كما يمكن أن تؤثر العدوى الطّفيلية على وظائف الدماغ أيضًا (McAuliffe, 2017). لذلك، عندما يرتكب أشخاص يعانون من تشوهات دماغية واضحة جرائم، فمن المرجح أن يوصي نظام المحكمة بالتدخل العلاجي بدلاً من العقاب.
وبالإضافة إلى الأمراض الجسدية والعقلية، يعترف نظام العدالة الجنائية أيضًا بما يُسمى “بالظروف المخففة” التي تقلل من “الإرادة الحرة” للإنسان. فقشرة الفص الجبهي في الدماغ، والتي تلعب دورًا رئيسيًا في التخطيط وتنظيم دوافعنا العاطفية، لا تنضج بشكل كامل إلا في منتصف العشرينات من العمر، ثم تبدأ في التدهور مع التقدم في السن. لذلك، لا يُحاكم معظم مجرمي الأحداث كبالغين لأن نظام المحاكم يعترف بعدم نضجهم في التحكم بعواطفهم.
كما أن الهرمونات والمخدرات والكحول تؤثر سلبًا على قشرة الفص الجبهي. وتُعد متلازمة ما قبل الحيض عاملًا مخففًا في كندا وإنجلترا، ولكن ليس في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن إدمان المخدرات والكحول يُعتبر مرضًا من وجهة نظر المؤسسات الطبية، فإن نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة لديه آراء متباينة بشأن التسمم الكيمائي والمسؤولية الجنائية. فغالبًا ما يُنظر إلى تعاطي الكحول والمخدرات على أنه خيار إرادي لا يبرر السلوك الإجرامي. ومع ذلك، قد تطلب المحاكم العلاج في مصحة إعادة تأهيل بدلاً من السجن، وذلك وفقًا لتفاصيل القضية الأخرى.
باختصار، فإن نظام العدالة الجنائية (أ) يعترف بنقص أو غياب “الإرادة الحرة” في أوضح حالات عدم نضج الدماغ أو خلله، (ب) متردد بشأن “الإرادة الحرة” عندما تؤثر الهرمونات أو المواد الكيميائية على السلوك، و(ج) يفترض أن كل شخص آخر لديه ما يكفي من “الإرادة الحرة” ليكون مسؤولًا تماما عن سلوكه.