الصدمات التي تنتقل بين الأجيال في الأسر المهاجرة
عندما تصطدم الأحلام بالتوقعات: رحلة فهم الصدمات بين الأجيال في أفلام ديزني وبيكسار
في خضم النقاشات الدائرة حول الهجرة، غالبًا ما نغفل جانبًا إنسانيًا بالغ الأهمية: تجربة المهاجر نفسه. فما هي التحديات النفسية التي يواجهها؟ وكيف تختلف هذه التجارب بين الأجيال المختلفة من المهاجرين؟
تشير الدراسات إلى أن الضغط الثقافي الناتج عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تبدو مستعصية على الحل، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة، لا سيما الصدمات النفسية التي قد لا يتم التعامل معها بشكل صحيح داخل المجتمعات المهاجرة، ربما بسبب عوامل مثل الوصمة والخوف من البوح بالضعف.
من بين هذه التحديات النفسية، تبرز ظاهرة الصدمة بين الأجيال، والتي تعني انتقال آثار الصدمات النفسية التي تعرض لها جيل معين إلى الأجيال اللاحقة، سواء كانت هذه الصدمات ناتجة عن الحروب، أو الكوارث الطبيعية، أو حتى صعوبات الاندماج في مجتمع جديد.
ولعلنا نجد في أفلام ديزني وبيكسار الأخيرة، مثل “إنكانتو” (٢٠٢١) و “يتحول للون الأحمر” (٢٠٢٢) و “عنصري” (٢٠٢٣)، تصويرًا مؤثرًا لتجربة المهاجرين والصدمات النفسية التي تنتقل بين الأجيال.
فعلى سبيل المثال، في فيلم “إنكانتو”، نشاهد كيف أن صدمة أبويلا (الجدة) بسبب فقدان زوجها أثناء فرارهم من موطنهم، قد انعكست على طريقة تربيتها لـ ميرابل، مما خلق ضغطًا كبيرًا على الأخيرة للوصول إلى مستوى توقعاتها.
أما في فيلم “يتحول للون الأحمر”، فنرى كيف أن مينغ (الأم) تحمل في داخلها خوفًا عميقًا من تكرار أخطاء والدتها، مما يدفعها إلى فرض رقابة شديدة على ابنتها ميلين.
وفي فيلم “عنصري”، نشهد كيف أن برني (الأب) قد ضحى بالكثير من أجل بناء حياة جديدة في مجتمع غريب، مما يجعله يضع آمالًا كبيرة على ابنه إيمبر للحفاظ على إرثه.
وتكمن قوة هذه الأفلام في أنها لا تكتفي بعرض الصدمات النفسية، بل تكشف أيضًا عن التأثير السلبي للتوقعات العائلية على الأجيال الشابة. فبينما يتوق الأبناء إلى رد الجميل لآبائهم، يجدون أنفسهم مقيدين بتوقعات لا تتناسب مع رغاباتهم وطموحاتهم.
وتقدم هذه الأفلام رسالة هامة مفادها أن التواصل الصادق و الاعتراف بالصدمات النفسية هما السبيل الوحيد لكسر حلقة الألم التي تنتقل بين الأجيال. فعندما يبدأ الآباء والأبناء في مشاركة مخاوفهم و التعبير عن مشاعرهم بشكل صريح، يصبح بإمكانهم بناء علاقات صحية قائمة على التفهم و التقبل.
عندما تصطدم أحلام الأبناء بإرث الأجداد: رحلة البحث عن الذات في أفلام ديزني وبيكسار
في عالم الرسوم المتحركة الساحر، غالبًا ما نجد أنفسنا أمام قصص مؤثرة تمس قلوبنا، لاسيما تلك التي تتناول صراعات الأجيال وتحديات الهوية. ففي فيلم “Elemental”، تُعبّر إمبر عن حيرتها قائلة: “لا يمكنكم أن تتخيلوا شعوري كوني نارًا في عالم يميز بين العناصر، أحمل على عاتقي آمال عائلتي وتضحياتهم، فهل يكفي أن أكون كما يريدون؟”. وفي فيلم ”Encanto”، تُغني ميرابل بصوتٍ يملؤه الشجن: “العمل الدؤوب هو ما يبقي شعلة الأمل مُتقدة، مهمتنا أن نحافظ على هذا الإرث جيلاً بعد جيل”. تعكس هذه الأفلام ببراعة صراع أبناء الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين بين الوفاء لتوقعات عائلاتهم وتحقيق طموحاتهم الشخصية.
وفي رواية “Turning Red” تصف ميلين هذا الصراع بقولها: “تكريم الوالدين واجبٌ نبيل، لكن الإفراط فيه قد يُنسينا تقدير ذواتنا”. فمينج، والدة ميلين، تُجسد تأثير الصدمات النفسية التي مرّت بها على أسلوب تربيتها لابنتها. فرغبتها في حماية ابنتها من تجربة التمييز التي عانت منها تجعلها تُبالغ في حماية ميلين، فتتحكم في صداقاتها وتُراقبها بشكلٍ مُفرط. وبالمثل، فإن بيرني في فيلم “Elemental” ينقل مخاوفه من الماء إلى ابنته إمبر، مُكرّسًا تجربته السابقة مع التمييز ليُشكّل حاضر ابنته ويُقيّد اختياراتها.
تُسلّط هذه الأفلام الضوء على أهمية مواجهة الصدمات النفسية التي تنتقل عبر الأجيال، فنجد في نهاية كلا الفيلمين لحظاتٍ مؤثرة يُدرك فيها الآباء أهمية احترام رغبات أبنائهم. فتقول والدة ميلين: ”لا داعي للاعتذار، أنا والدتكِ وسأدعمكِ مهما كان اختياركِ”. ويقول والد إمبر: “لم يكن المتجر حلمي قط، بل كنتِ أنتِ حلمي دائمًا”.
من شاشة السينما إلى واقعنا: كيف نتعامل مع صدمات الماضي؟
قد تبدو النهايات السعيدة في أفلام ديزني وبيكسار بمثابة حلول سحرية، إلا أن معالجة الصدمات النفسية في الواقع تتطلب جهدًا ووقتًا. فتاريخٌ حافلٌ بالظلم والتمييز ليس من السهل نسيانه، وقد تُثير ذكرياته الشعور بالألم والغضب.
ولكنّ الأمل يُحيطه، فبإمكاننا التغلب على تلك الصدمات من خلال العديد من الطرق، منها:
- التواصل مع المختصين في الصحة النفسية: يساعدنا الحديث مع المعالجين النفسيين على فهم تأثير صدمات الماضي على حياتنا وسلوكياتنا.
- العلاج الأسري: يُتيح العلاج الأسري للأفراد استكشاف التأثيرات المُتبادلة بينهم وفهم الديناميات التي تُشكّل علاقاتهم.
- الفن كوسيلة للتعبير: تُعد الأعمال الفنية كالرسم والموسيقى والكتابة وسيلةً فعّالة للتعبير عن المشاعر المكبوتة ومعالجة الصدمات بشكلٍ إبداعي.
- الاستفادة من القصص والروايات: تُساعدنا قراءة القصص التي تتناول موضوع الصدمات النفسية على الشعور بأننا لسنا وحدنا، وتُتيح لنا فرصة التعلم من تجارب الآخرين.
لا تُعتبر أفلام ديزني وبيكسار علاجًا نفسيًا بحد ذاتها، لكنها تُشكّل نقطة انطلاق مُهمة لفتح حوار بنّاء حول الصدمات النفسية التي تنتقل عبر الأجيال. فهي تُتيح للأجيال الجديدة فرصة فهم تأثير الماضي على حاضرهم، وتُشجّع الذين يعانون من تلك الصدمات على مُشاركة قصصهم والتعبير عن مشاعرهم.
وبعد مشاهدة هذه الأفلام، يمكن للأسر مُشاركة العديد من الأنشطة التي تُساعد على تقوية روابطهم ومعالجة صدمات الماضي، منها:
- مُناقشة موضوع الفيلم مع الأطفال: طرح الأسئلة حول كيفية تغلب الشخصيات على التحديات التي واجهتها.
- استرجاع الذكريات العائلية: مُشاركة صور أو مقتنيات قديمة تُعيد إلى الأذهان أشخاصًا مُهمّين في تاريخ العائلة.
- رواية قصص الأجداد: نقل تجارب الأجيال السابقة وتاريخهم إلى الأبناء لتعزيز الشعور بالانتماء والهوية.
- الاحتفال بلحظات التحدي والصمود: تذكير الأبناء بقوة العائلة وقدرتها على تخطّي الصعاب.
- التعبير عن الامتنان: توجيه الشكر للأشياء الإيجابية في حياتنا ونعم الله علينا.
- وضع أهداف مُشتركة للمُستقبل: العمل معًا كعائلة واحدة لتحقيق طموحاتنا وبناء مستقبلٍ أفضل.
إنّ تناول أفلام ديزني وبيكسار لتجارب المهاجرين يُتيح للأسر فرصةً ثمينةً للتواصل بشكلٍ أعمق والتغلب على صدمات الماضي. ومع تزايد أعداد المهاجرين حول العالم، يُصبح الاعتراف بتلك الصدمات ومعالجتها أمرًا في غاية الأهمية، وقد بدأت أفلام الأطفال تأخذ زمام المبادرة في تسليط الضوء على هذه التجارب الحقيقية.
بقلم: بريسيلا لي، طالبة في كلية الطب بجامعة ساوث كارولينا.