لماذا يجب علينا التركيز على تجارب الطفولة الإيجابية
## بين ظلال الماضي وشعاع الأمل: كيف تصنع طفولة إيجابية لمستقبل مُشرق؟
المصدر: Tang Ming Tung / Getty Images
لطالما شغل علم النفس نفسه بدراسة “التجارب السلبية في الطفولة” (ACEs)، وكيف تُلقي بظلالها على حياة الأفراد، مُحدثةً ندوبًا نفسيةً عميقة. فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يتعرضون لتجارب سلبية مُتكررة أكثر عرضةً للإصابة بالقلق، وضعف الضمير، واضطرابات الشخصية مثل اضطراب الشخصية الحدية، والنرجسية، فضلاً عن انخفاض مستويات السعادة لديهم.
ولكن، ماذا عن الجانب المُشرق من الطفولة؟ ماذا عن تلك التجارب الإيجابية التي تُشكل شخصياتنا وتُنير دروبنا؟
للأسف، لم تحظَ “التجارب الإيجابية في الطفولة” (BCEs) بالقدر الكافي من الاهتمام في الدراسات النفسية. فبينما انشغل البعض بتحليل ظلمات النفس البشرية، غاب عنهم أن النور أيضًا له قصته التي تستحق أن تُروى.
ولأنني أؤمن بأهمية دراسة الجوانب المُشرقة في تكوين الشخصية، قمت وفريقي بتكريس جهودنا لبحث “ثالوث الضوء” أو كما أُطلق عليهم “القديسون اليوميون”. وقد أثبتت دراستنا أن خصائص ثالوث الضوء الثلاثة، وهي: *الكانطية* (النظر للآخرين كغاية في حد ذاتها)، *الإنسانية* (الاعتقاد بأن جميع البشر يستحقون الكرامة والاحترام)، و*الإيمان بالخير الكامن في النفس البشرية*، تُساهم بشكل كبير في تحقيق الرفاهية الشاملة للإنسان، وتمنحه شعورًا عميقًا بمعنى الحياة والروحانية، وتدفعه للتصرف بشكل إيجابي تجاه الآخرين.
ووسط هذه الأبحاث المُتعلقة بـ “ثالوث الضوء”، عثرت على دراسات واعدة تُسلط الضوء على أهمية “التجارب الإيجابية في الطفولة” (BCEs) وتأثيرها على صحة الفرد النفسية في مرحلة البلوغ. فقد أكدت هذه الدراسات أن الأطفال الذين ينعمون بتجارب إيجابية في طفولتهم، مثل وجود عائلة داعمة ومُحبة، والتحلي بمعتقدات إيجابية، والاستمتاع بروتين يومي مستقر، أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والوحدة في حياتهم لاحقًا. بل إن بعض الدراسات أشارت إلى أن التجارب الإيجابية في الطفولة قد تُخفف من التأثيرات السلبية للتجارب السلبية التي قد يتعرض لها الطفل.
ولكن ما هي هذه التجارب الإيجابية التي يحتاجها كل طفل؟
- الشعور بالأمان مع شخص بالغ واحد على الأقل.
- وجود صديق مقرب.
- التأثر بمعتقدات إيجابية تبعث على الراحة النفسية.
- الاستمتاع بالذهاب إلى المدرسة.
- التعلم على يد مُعلم يهتم بهم ويُشجعهم.
- العيش في حي يسوده الود والتعاون بين الجيران.
- الحصول على الدعم والنصيحة من شخص بالغ يثقون به.
- الحصول على فرص للاستمتاع وقضاء أوقات مُسلية.
- تقدير النفس والشعور بالرضا عن الذات.
- التمتع بروتين يومي منظم ومُستقر.
ولأن دراسة “التجارب الإيجابية في الطفولة” لا تزال في مهدها، فإنني أتحمس بشدة لكل بحث جديد يُسلط الضوء على هذا المجال الهام. وقد لفت انتباهي مؤخرًا دراسة جديدة تبحث في العلاقة بين “التجارب الإيجابية في الطفولة” و”ثالوث الضوء” و”الازدهار البشري”.
## تجارب الطفولة الإيجابية ونور الازدهار في مرحلة البلوغ: دور “ثالوث الضوء”
في دراسة جديدة أجريت في هندوراس، وهي واحدة من الدول التي تُعاني من معدلات عنف مرتفعة، قام الباحث “ميغيل لاندا بلانكو” وفريقه بدراسة عينة من 410 مشاركين لتسليط الضوء على أهمية “التجارب الإيجابية في الطفولة” في تعزيز الرفاهية النفسية للأفراد في ظل الظروف الصعبة. وقد أكد الباحثون على أهمية إجراء مثل هذه الدراسات في ثقافات مُختلفة للحصول على فهم أشمل للعوامل التي تُساهم في التنشئة السليمة للأطفال.
ورغم أن العديد من الدراسات السابقة في هندوراس قد ركزت على التجارب السلبية التي يتعرض لها الأطفال، إلا أن هذه الدراسة تُسلط الضوء على أهمية التجارب الإيجابية ودورها في تعزيز الرفاهية النفسية للأفراد.
ذكريات الطفولة الجميلة: بذور شخصية إيجابية ومزدهرة
هل تتذكر تلك اللحظات السعيدة من طفولتك؟ تلك التجارب التي تركت في نفسك شعورًا بالدفء والأمان؟ قد تكون مجرد ذكريات جميلة بالنسبة لك، لكنها في الواقع تلعب دورًا أكبر بكثير في تشكيل شخصيتك ومستقبلك.
أظهرت دراسة حديثة أن الأشخاص الذين يتمتعون بذكريات إيجابية عن طفولتهم يميلون لامتلاك سمات شخصية إيجابية، مثل التفاؤل والتعاطف، كما أنهم أكثر قدرة على التعامل مع تحديات الحياة بشكل إيجابي وبناء.
ولكن ما هو الرابط بين ذكريات الطفولة الجميلة وتكوين شخصية إيجابية؟ تكمن الإجابة في مفهوم “الثالوث النوراني” الذي يشمل ثلاث سمات رئيسية: الإيمان بالخير الكامن في الناس، والإنسانية، والتسامح.
وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يمتلكون ذكريات إيجابية عن طفولتهم يميلون أيضًا لامتلاك سمات الثالوث النوراني بشكل أكبر. ويرجع ذلك إلى أن تجارب الطفولة الإيجابية، مثل وجود علاقات دافئة مع الوالدين أو المعلمين، تساعد على بناء شعور بالأمان والثقة في النفس وفي الآخرين، وهو ما يشكل أساسًا متينًا لتطور سمات الثالوث النوراني.
ولكن ماذا عن أولئك الذين لم يحظوا بتجارب طفولة إيجابية؟ هل هذا يعني أنه لا يمكنهم تطوير شخصية إيجابية؟ بالطبع لا! فالشخصية مرنة وقابلة للتغيير، ويمكن للجميع العمل على تطوير سمات إيجابية في أنفسهم بغض النظر عن ماضيهم.
وإليكم بعض النصائح التي يمكن أن تساعد على تطوير شخصية إيجابية:
- ركز على الجوانب الإيجابية في حياتك: حاول أن تُركز على الأشياء الجيدة التي تحدث لك وأن تشعر بالامتنان لها.
- أحط نفسك بأشخاص إيجابيين: فالأشخاص الذين تُحيط نفسك بهم يؤثرون بشكل كبير على تفكيرك ومشاعرك.
- مارس الامتنان: خصص وقتًا كل يوم للـتفكير في الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك.
- ساعد الآخرين: فمساعدة الآخرين تُشعرنا بالسعادة وتُعزز من ثقتنا بأنفسنا.
- اعتني بنفسك: حافظ على صحتك الجسدية والنفسية من خلال ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والحصول على قسط كافٍ من النوم.
تذكر أن تطوير شخصية إيجابية هو رحلة مستمرة تتطلب منك الجهد والصبر، ولكنها رحلة تستحق العناء بالتأكيد.