هل نبالغ في استخدام مصطلح “القلق”؟
هل أصبح القلق شماعةً نعلق عليها ضغوطات الحياة؟
في عالمنا المتسارع، أصبح مصطلح “القلق” شائعًا لدرجة تثير التساؤل. فبين ليلة وضحاها، بتنا نرى “قلق الامتحانات” و “قلق المقابلات” وحتى “قلق اللقاءات الاجتماعية” يسيطر على أحاديثنا. فهل بالغنا في استخدام هذا المصطلح؟ وهل نحن حقًا أمام موجة جارفة من القلق، أم أننا نخلط بينه وبين ضغوطات الحياة الطبيعية؟
لا شك أن التوعية بالصحة النفسية أمرٌ بالغ الأهمية، ولكن إطلاق الأحكام جزافًا على أنفسنا والآخرين بأننا “مصابون بالقلق” قد يقلل من خطورة هذه الحالة النفسية الحقيقية التي يعاني منها الكثيرون.
التوتر ليس قلقًا بالضرورة:
لنفهم الفرق، دعونا نتخيل أن التوتر أشبه بموجة عابرة. فهو استجابة طبيعية لموقف صعب أو فترة زمنية مكثفة، كضغط العمل أو مشاكل عائلية. نشعر خلاله بتسارع دقات القلب، وتوتر العضلات، وربما صعوبة في النوم. لكن، وكما تأتي الأمواج وتذهب، فإن التوتر غالبًا ما يتلاشى بمجرد زوال الموقف المُسبب له.
أما القلق، فهو أشبه ببحر هائج لا يهدأ. فهو حالة مستمرة من الخوف والتوتر، حتى في غياب مُحفز واضح. يترافق القلق مع أفكار سلبية متكررة، وتوقعات متشائمة للمستقبل، مما يؤثر سلبًا على حياتنا اليومية وعلاقاتنا.
لماذا علينا الحذر من التهويل في استخدام مصطلح “القلق”؟
إن إطلاق مصطلح “القلق” على كل ما يسبب لنا التوتر قد يؤدي إلى عواقب غير مرغوبة، منها:
- التطبيع الخاطئ: قد يصبح القلق أمرًا “عاديًا” في نظر البعض، مما يصعب من تمييز الحالات التي تستدعي التدخل العلاجي.
- التشخيص الذاتي: قد يلجأ البعض إلى تشخيص أنفسهم بالقلق دون استشارة متخصص، مما قد يؤدي إلى إهمال أسباب أخرى محتملة لأعراضهم.
- وصم المصابين: قد يُنظر للأشخاص الذين يعانون من القلق على أنهم “ضعفاء” أو “غير أسوياء”، مما يزيد من معاناتهم ويصعب من طلبهم للمساعدة.
كيف نُعيد التوازن إلى حديثنا عن القلق؟
- التوعية بأهمية التمييز: علينا نشر الوعي بأهمية التفريق بين التوتر والقلق، والتأكيد على أن كلاهما حالتان طبيعيتان يمكن التعامل معهما بطرق مختلفة.
- التشجيع على طلب المساعدة: يجب تشجيع الأشخاص الذين يعانون من أعراض القلق المستمرة على طلب المساعدة من متخصص في الصحة النفسية.
- التوقف عن إطلاق الأحكام: دعونا نتوقف عن إطلاق الأحكام على أنفسنا والآخرين بأننا “مصابون بالقلق” بمجرد شعورنا بالتوتر أو الخوف.
إن الاعتناء بصحتنا النفسية أمرٌ في غاية الأهمية، ولكن علينا أن نفعل ذلك بطريقة واعية وسليمة. فلنحرص على استخدام المصطلحات الطبية بدقة، ولنجعل من الحديث عن الصحة النفسية مصدر قوة وتعافي، لا مصدر للخوف أو العار.