حوادث إطلاق النار في أميركا: الجانب النفسي وراء كل ذلك
دوافع القتل في أمريكا: رحلة في دهاليز النفس البشرية
في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على يد شاب عشريني من بنسلفانيا، تصدرت واجهات الصحف العالمية تساؤلاتٌ مُلحة: ما الذي يدفع شخصًا لارتكاب جريمة بشعة كهذه؟ ما الذي يدفعهُ للتضحية بحياته في سبيل إزهاق روح إنسان آخر؟
لا شك أن قضية كروكس تحمل في طياتها تفاصيل إنسانية مؤلمة، فقد كشفت بعض الشهادات عن تعرضه للتنمر والعزلة خلال فترة دراسته، إضافةً إلى ما بدا عليه من اضطراب فكري وسياسي. لكن تبقى الحاجة ماسةً لفهم أعمق لدوافع العنف المسلح في أمريكا، ولماذا يقدم البعض على التضحية بكل شيء في سبيل ذلك.
تكمن الإجابة في التمييز بين “الهدف” و “الوسيلة”. فقد أثبتت الدراسات النفسية أن الدافع الأساسي وراء العنف هو سعي الإنسان الدؤوب لتحقيق “الأهمية”. فالعنف هو رحم جميع الدوافع الاجتماعية، ويُنظر إليه كوسيلة لفرض الهيمنة وبسط النفوذ، خاصةً في ظل ثقافة تُعلي من شأن القوة وتُصوّر السلاح على أنه رمزٌ للرجولة والتحرر.
لكن لماذا لا يلجأ الجميع إلى العنف لتحقيق هذه الأهمية؟ ولماذا يُفضّل البعض السلاح على الرغم من وجود وسائل أخرى لكسب الاحترام والتقدير؟
الإجابة عن السؤال الأول شخصية بحتة، وتتعلق بمدى الإحباط الذي يعيشه الفرد وظروفه النفسية والاجتماعية. أما الإجابة عن السؤال الثاني فهي ثقافية بامتياز، وتُلقي بظلالها على ثقافة العنف المهيمنة في المجتمع الأمريكي، والتي تُغذّيها وسائل الإعلام وتُسوّغها بعض القوانين.
وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر الدول المتقدمة من حيث ارتفاع مُعدلات العنف المسلح، حيث تُشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 70% من حوادث إطلاق النار الجماعي في العالم تحدث على أراضيها. كما شهدت البلاد ارتفاعًا مُرعبًا في عدد ضحايا العنف المسلح خلال العقدين الماضيين، مما يُنذر بخطورة الوضع ويُحتم علينا البحث عن حلول جذرية.
لا شك أن الحد من مشاعر الإقصاء والتهميش يلعب دورًا محوريًا في معالجة هذه الظاهرة، وذلك من خلال سنّ قوانين عادلة وتوفير فرص متكافئة للجميع. كما أن تغيير الصورة النمطية للسلاح في الثقافة الأمريكية يُعدّ خطوةً أساسيةً على طريق الحد من العنف، وذلك من خلال تقييد حيازته وتشديد الرقابة على تداوله.
إن فهم نفسية مرتكبي جرائم العنف يُعدّ نقطة انطلاق هامة نحو إيجاد حلول ناجعة لهذه الآفة المُستشرية. فلن يتسنى لنا القضاء على العنف دون الغوص في أعماق النفس البشرية وفهم دوافعها ومعالجة أسبابها.