وفاة أحد الأحباء لا تجعل الأطفال عرضة للخطر دائمًا
## قوة الصمود: كيف يتجاوز الأطفال فاجعة الفقد؟
في عالم الأدب، نجد قصصًا مؤثرة مثل “شيطان كوبرهيد” لباربرا كينجسولفر، المستوحاة من رواية “ديفيد كوبرفيلد” لتشارلز ديكنز. قصص تحكي عن أطفال واجهوا فقدانًا وتحدياتٍ قاسية، ونشأوا في بيئاتٍ صعبةٍ مليئة بالفقر والعنف والإدمان. ورغم أن هذه القصص من نسج الخيال، إلا أنها تُذكرنا بحقيقةٍ هامةٍ غالبًا ما نتجاهلها: إن أطفالنا أقوى بكثير مما نعتقد، وقادرون على تجاوز الخسارة والتغيير بشكلٍ يفوق تصورنا.
في عصرنا هذا، نُسارع للأسف إلى اعتبار أطفالنا هشّين، ونخشى عليهم من الصدمات النفسية جراء أيّ موقفٍ صعبٍ أو تحدٍّ يواجهونه. لكنّ العديد من الدراسات تُشير إلى أن أطفالنا أكثر قدرة على التعامل مع المِحَن مما نتصور. فما سرّ قوتهم هذه؟ يكمن السر في مزيجٍ من العوامل، منها نظرتهم الإيجابية للمستقبل، ومواهبهم التي يجدون طرقًا للتعبير عنها، ووجود شبكةٍ من الأشخاص الداعمين من حولهم، بالإضافة إلى براءة الطفولة التي تُشكّل درعًا واقيًا لهم.
يمتلك الأطفال دافعًا فطريًا للبحث عن الأمل والتطلع إلى الأفضل. وبوصفنا آباءً ومُربّين، علينا أن نُساعدهم على رؤية العالم كمكانٍ آمنٍ مليء بالعطف والحنان. وبهذه الطريقة، لن يُشكّل فقدان شخصٍ عزيز، سواءً كان صديقًا أو فردًا من العائلة، خطرًا على صحتهم النفسية.
في دراسةٍ مثيرةٍ للإهتمام أجرتها جامعة أكسفورد ونُشرت هذا العام، تبيّن أن ثلاثة من كل أربعة أطفال سوف يشهدون وفاة أحد أفراد أسرهم المُقرّبين قبل بلوغهم سن السادسة عشرة. ورغم ذلك، لا تُوجد الكثير من الدراسات التي تُسلّط الضوء على كيفية تعامل الأطفال مع الحُزن والتأثيرات الطويلة المدى للخسارة عليهم.
في هذه الدراسة، قام فريق البحث بتحليل بيانات أكثر من 9000 طفل في المملكة المتحدة للتعرّف على تأثير وفاة أحد أفراد أسرة الطفل المُقرّبين على علاقته بوالديه وصحته النفسية. وخلصت الدراسة إلى نتيجةٍ مُطمئنة، وهي أن الأطفال قادرون على التعامل مع ضغوط الحياة بشكلٍ أفضل مما نعتقد، وأن وفاة شخصٍ عزيز لا تؤدي بالضرورة إلى مشاكل نفسية لدى الطفل.
من خلال تجربتي الشخصية، أستطيع أن أؤكد هذه الحقيقة. فقد فقدتُ صديقًا عزيزًا في حادث مروري وأنا في التاسعة عشرة من عمري. ورغم أن الحادث كان مأساويًا ومُفجعًا للجميع، إلا أنه لم يُؤدِّ إلى مشاكل نفسية طويلة المدى لدى أصدقائه المُقرّبين.
لا شك أن هناك بعض الأطفال أكثر عُرضة للخطر من غيرهم، وقد يحتاجون إلى دعمٍ نفسي خاص بعد فقدان شخصٍ عزيز. ولكن لا ينبغي أن نفترض أن جميع الأطفال بحاجة إلى ذلك. فالأطفال يمتلكون قدرةً فائقةً على التكيّف والتجاوز، وعلينا أن نثق بقدراتهم ونُقدّم لهم الدعم المناسب عندما يحتاجون إليه.