أخبار علم النفس

كيف يتقاطع المرض المزمن مع الرجولة

##⁤ إعادة تعريف الرجولة في ظلّ الأمراض⁣ المزمنة

المصدر: كاتي ويلارد فيرانت

ما هي الرجولة؟ سؤالٌ بسيطٌ ظاهرياً، لكنّه يحمل في طيّاته عمقاً يستحقّ التأمّل. فعندما نتأمّل هذه الكلمة، تتزاحم في أذهاننا صورٌ نمطيةٌ لرجلٍ مفتول⁣ العضلات، أو ربّ ⁢أسرةٍ صارمٍ، أو رجل أعمالٍ ناجحٍ. ولكن، هل تنحصر الرجولة حقاً في هذه الصور النمطية؟

دعونا نتأمّل لحظاتٍ ​في حياتنا شعرنا فيها برجولتنا، ولحظاتٍ أخرى شككنا ⁣فيها. ما هي الرسائل التي تلقيناها عن الرجولة من عائلاتنا ومجتمعاتنا؟ عباراتٌ‌ مثل “الرجال لا يبكون” تُرسّخ⁤ مفاهيم ضيّقة عن الرجولة، فهل نتقبلها أم نرفضها؟

تحدّياتٌ مزدوجة:‍ عندما يصطدم المرض المزمن بالرجولة

لا شكّ أن الأمراض ​المزمنة تُشكّل تحدّياً كبيراً للجميع، لكنّها تُلقي بظلالها بشكلٍ مختلفٍ على ⁣الرجال. فإلى جانب التحدّيات الجسدية​ والنفسية التي ​يفرضها المرض، يواجه الرجل عبئاً ​إضافياً⁤ يتمثّل في تأثير المرض على صورته عن رجولته. ​

وقد حدّد الباحثون أربعة مجالات رئيسية لتقاطع المرض المزمن مع الرجولة (ساليفو، ⁤وألماك، وكاسويل، 2023):

  • الجسدية: قد يُفقد المرض الرجل قوّته⁣ ولياقته البدنية، ممّا يُفقده شعوره بالرجولة، ويُشعره بالضعف والهشاشة.
  • الجنسية: يُمكن أن يؤثّر المرض على قدرة الرجل الجنسية، ممّا يُهدّد صورته عن نفسه كرجل، ويُفقده الثقة بالنفس.
  • الاجتماعية والاقتصادية: قد يُعيق المرض قدرة الرجل على العمل وإعالة أسرته، ممّا يُشعره بالعجز والإحباط، ويُفقده دوره كربّ أسرة.
  • العاطفية: غالباً ⁤ما يُجبر المرض الرجل على مواجهة مشاعر الخوف ⁤والحزن والضعف، وهي مشاعرٌ قد ⁤يصعب على بعض الرجال التعبير عنها، ‌ظناً منهم أنّها تُناقض صورتهم كرجال أقوياء.

تداعياتٌ نفسيةٌ واجتماعيةٌ

إنّ هذه‍ الضغوطات النفسية والاجتماعية قد تُؤثّر سلباً على صحة الرجل المصاب بمرضٍ مزمنٍ،⁢ وقد تدفعه إلى⁤ تبنّي سلوكياتٍ ⁣ ضارّةٍ مثل إهمال ⁤العلاج، أو الانعزال‌ عن الآخرين، أو كبت المشاعر (Abboah-Offei et al., 2024).

فعلى سبيل المثال، قد يتردد الرجل في طلب المساعدة من الآخرين، أو قد يُخفي مرضه عنهم خوفاً من نظرة المجتمع​ (فلوري وآخرون، 2018). كما قد يُؤثّر المرض على علاقته بشريكته، حيث قد يُشعره بالنقص أو عدم القدرة على إسعادها (ساليفو وألماك وكاسويل، 2023).

نحو مفهومٍ أرحق للرجولة

لقد تغيّرت المفاهيم المجتمعية بشكلٍ كبيرٍ​ في العقود الأخيرة، وأصبحنا نتبنّى ​ مفهوماً ​أكثر مرونةً للأنوثة. فلم تعد المرأة تُقاس بمعاييرَ ‍ضيّقةٍ، بل أصبح بإمكانها ​ أن تكون قويةً ​ وناجحةً دون أن تُفقِدَ أنوثتها.

وحان الوقت لتغيير نظرتنا للرجولة أيضاً.‌ فالرجل ليس آلةً لا ‍تعرف‍ التعب أو الضعف، بل هو إنسانٌ ⁢ من لحمٍ ودمٍ، له مشاعره وأحاسيسه.

وإليك بعض الأفكار التي ‌قد تُساعدك على إعادة صياغة ⁤ مفهومك ​ للرجولة:

  • القوة ليست ​ في الجسد ‍فقط: إنّ التعامل مع المرض المزمن يتطلّب قوّةً من ⁤نوعٍ آخر، ‌قوّةً داخليةً تُمكّنك من مواجهة التحدّيات والتكيّف مع الظروف الجديدة.
  • العلاقات الحميمة أعمق ​من الجنس: ‍ قد يُؤثّر المرض على حياتك ‍ الجنسية، لكنّه لا​ يُلغيها ‍ تماما. فبإمكانك التعبير عن ‍ حبّك وشغفك بطرقٍ أخرى، ‌والتواصل مع شريكتك بشكلٍ أعمق.
  • دورك كأبٍ أو زوجٍ لا يقتصر على العمل: قد يُجبرك المرض ⁤ على تقليص ⁤ نشاطك ⁣ العملي، لكنّه ⁢ لا ‍ يمنعك من أن تكون ‌ أباً حاضراً في حياة أطفالك، أو زوجاً محباً يدعم شريكته.
  • التعبير ⁤ عن مشاعرك لا يُقلّل من رجولتك: من⁣ الصحي أن تُعبّر عن ​ مشاعرك سواءً كانت ‌فرحاً أو حزناً أو خوفاً. فكبت المشاعر يُؤثّر‌ ​ سلباً على ⁣ صحتك النفسية.

ختاماً

إنّ التعامل مع المرض المزمن ليس بالأمر الهيّن، خاصّةً للرجال الذين قد يواجهون ضغوطاتٍ إضافيةً بسبب المفاهيم ⁤المجتمعية الضيّقة ⁢ للرجولة. ولكن بتغيير‍ هذه المفاهيم، وبالتفكير بشكلٍ أكثر ⁣ مرونةً وانفتاحاً، يُمكن للرجال⁤ التكيّف مع المرض بشكلٍ أفضل، والحفاظ⁤ على صحتهم النفسية ⁢والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock