فن التفكير في الصورة الكبيرة
## فن التفكير بالصورة الكبرى في عالم متغير
المصدر: nialowwa/Shutterstock
في خضمّ التغيرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم، وخاصةً مع الذكاء الاصطناعي الذي يرسم ملامح مستقبلٍ مجهول، أصبح لزاماً على كلّ محترفٍ أن يرتقي بأدائه ويُثبت أهميته بشكلٍ مستمر.
بغضّ النظر عن طبيعة العمل أو المجال، فإنّ “عمال المعرفة” - كما وصفهم بيتر دراكر- غالباً ما يجدون أنفسهم متخصصين في مجالٍ واحد أو أكثر. وهذا التخصص، رغم أهميته، يُمثّل تحدّياً حقيقياً يتخطى حدود الأداء الفردي إلى التعاون مع الزملاء وفهم أهداف المؤسسة بشكلٍ شامل.
وهنا تبرز أهمية “التفكير بالصورة الكبرى” وفهم الدور الذي يُشكّله كلّ فرد ضمن المنظومة الكبيرة. فكما قال دراكر: “يجب أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن وضع نفسك في الصورة الكبرى”.
كيف نُنمّي مهارة التفكير بالصورة الكبرى؟
قد يبدو فهم مكاننا ودورنا ضمن الصورة الكبرى أمراً مُبهماً في بعض الأحيان. ولكن بداية الخيط تكمن في التساؤل: ما الذي تسعى مؤسستنا لتحقيقه؟ وكيف تعمل على ذلك؟ ما هي البيئة التي تعمل ضمنها المؤسسة، ليس فقط من ناحية السوق أو المجال، بل من ناحية المجتمع ككل؟ من هم الأشخاص الذين نسعى لخدمتهم؟
إنّ النظر إلى الصورة الكبرى لا يعني التغاضي عن التفاصيل، بل وضعها في سياقها الصحيح ضمن إطارٍ أوسع. فالتفكير بشكلٍ شمولي يُساعدنا على فهم العلاقة بين الأجزاء وكيفية تكاملها لتُشكّل الكل.
لقد شجّع دراكر الناس على توسيع آفاقهم ورؤية أنفسهم ضمن إطار أوسع. فهذا يُساعدهم على تحديد طموحاتهم وأهدافهم بشكلٍ أفضل، وتوظيف جهودهم وطاقاتهم في المكان الصحيح.
وحتى نتمكّن من رؤية الصورة الكبرى بشكلٍ واضح، علينا أن نكون أكثر انتباهاً وملاحظةً لكلّ ما يدور حولنا، سواءً من خلال القراءة والتواصل مع الآخرين أو من خلال مراقبة الأحداث وتحليلها.
اكتشاف الأنماط لفهم الصورة الكبرى
إنّ القدرة على اكتشاف الأنماط تُساعدنا على فهم الصورة الكبرى بشكلٍ أفضل، وتُحدّد دورنا ومسؤولياتنا بشكلٍ أدق. فكما قال دراكر: “في عالم المنظمات الحديث، أنت بحاجة إلى أن تكون قادراً على التعرف على الأنماط لرؤية ما هو موجود حقيقةً، وليس ما تتوقع أن تراه”.
ولعلّ اهتمام دراكر بالفن الياباني يُجسّد أهمية اكتشاف الأنماط في فهم الصورة الكبرى. فهذا الفن يُركّز على التفاصيل الدقيقة وعلاقتها بالسياق العام، وهو ما يُساعدنا على رؤية الأشياء من منظورٍ أوسع وأكثر شمولية.
النظر من نوافذ متعددة
كان دراكر يُشبّه نفسه بمن “ينظر من النافذة” ليرى ما لا يراه الآخرون. ولكن حتى نتمكّن من رؤية الصورة الكاملة، علينا أن ننظر من نوافذ متعددة وبزوايا مختلفة. فكلّ نافذة تُقدّم لنا منظوراً جديداً وتُساعدنا على فهم الأمور بشكلٍ أعمق.
إنّ التدريب على ملاحظة الأشياء من حولنا وتحليلها يُساعدنا على رؤية ما لا يراه الآخرون، وبالتالي اتّخاذ قرارات أفضل على المستوى الشخصي والعملي.
التفكير بالصورة الكبرى: رحلة مستمرة
إنّ التفكير بالصورة الكبرى ليس مجرّد مهارة نكتسبها وننتهي، بل هي رحلة مستمرة من التعلّم والتطوير. فعندما نُدرك أهمية دورنا ضمن المنظومة الكبيرة، ونُصبح أكثر وعياً بالتحديات والفرص التي تُحيط بنا، نكون أكثر قدرة على اتّخاذ قرارات أفضل وتحقيق النجاح في حياتنا العملية والشخصية.