أخبار علم النفس

الوباء أدى إلى زيادة اضطرابات الأكل لدى المراهقين

شبح الجائحة: كيف‍ أثرت تداعيات “كوفيد-19” على علاقة المراهقين بالطعام؟

مرت أربع ​سنوات منذ اجتاحت ⁤العالم جائحة⁤ “كوفيد-19″، ⁢ ⁣أربع سنوات من ارتداء الكمامات، والعزلة المنزلية، والانقطاع عن الأصدقاء والأحبة. ورغم تحسن الوضع الوبائي،⁤ إلا أن ⁢تداعياته ‍النفسية لا تزال تلقي بظلالها، خاصة على فئة المراهقين.

أظهرت دراسة حديثة أجرتها الدكتورة نادية روميليوتيس، طبيبة وباحثة في مستشفى ⁤CHU Sainte-Justine وأستاذة في قسم طب الأطفال بجامعة مونتريال، وجود علاقة ​مباشرة بين الإجراءات الاحترازية التي طبقتها كندا⁤ أثناء الجائحة وارتفاع معدلات دخول المستشفيات بين ‍المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و ​17 عامًا بسبب اضطرابات ‌الأكل.

وبين أبريل 2016 ومارس 2023، سُجلت 11289 حالة دخول إلى المستشفيات في كندا بسبب اضطرابات الأكل بين‍ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 20 عامًا، 77% منهم من ‍الفتيات بين 12 و 17 عامًا. وكانت 60% من هذه الحالات هي‍ أول حالة دخول⁣ للمستشفى بسبب اضطراب الأكل.

وتنسجم هذه النتائج مع دراسات سابقة أجريت في الولايات المتحدة، والتي أظهرت زيادة ملحوظة في ‍أعداد ⁣المراهقين والشباب الذين يلتمسون ‍العلاج من اضطرابات الأكل بعد جائحة “كوفيد-19”.

فما الذي جعل المراهقين أكثر عرضة لاضطرابات الأكل في أعقاب الجائحة؟ وماذا يمكن للآباء فعله لدعم أبنائهم؟

التباعد الاجتماعي:​ حرمان المراهقين من عنصر أساسي لنموهم

تؤكد كايلا فوكس، أخصائية اجتماعية وخبيرة ‌في اضطرابات الأكل، أن التنشئة‍ الاجتماعية تشكل حجر الزاوية في حياة المراهقين، فهي تساعدهم على⁣ بناء هويتهم، والتعبير عن ‌مشاعرهم، وبناء علاقات صحية.

وتضيف فوكس: “أدى الحرمان من التواصل مع ‌الأصدقاء، والمدرسة، والأنشطة اللامنهجية خلال الجائحة⁢ إلى حرمان المراهقين ‍من متنفس أساسي لنموهم النفسي والاجتماعي”.

وبدون القدرة على التحكم⁣ في محيطهم وتشكيل هويتهم، يصبح الطعام ‍والجسم⁤ متنفسًا⁢ لبعض المراهقين للتعبير عن مشاعرهم، مما يزيد من⁣ خطر الإصابة⁣ باضطرابات الأكل.

وسائل التواصل الاجتماعي: سلاح ذو حدين في زمن الجائحة

ترى الدكتورة سامانثا دي كارو، مديرة التوعية السريرية والتعليم ⁤في مركز رينفرو، أن جائحة “كوفيد-19” خلقت بيئة خصبة لاضطرابات الأكل، ‌بسبب العزلة الاجتماعية، والقلق، ​والاكتئاب، والصدمات النفسية، واضطراب‍ الروتين اليومي، بالإضافة إلى الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي.

وتشير دي كارو إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة عدم الرضا عن الجسم، والقلق من المظهر الخارجي، خاصة مع انتشار “تشوه صورة الجسد” عبر ‌تطبيقات مثل “زووم”.

كما أن انتشار ‍التنمر الإلكتروني بسبب الوزن أصبح ‌عاملًا​ مساعدًا على انتشار اضطرابات الأكل، خاصة مع مخاوف​ “زيادة ‌الوزن” التي⁣ انتشرت خلال ‌فترة الحجر الصحي.

وتؤكد الدراسات وجود علاقة وثيقة ⁤بين الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وانخفاض ⁤الثقة بالنفس، وعدم الرضا عن الجسم، واضطرابات الأكل.

تحديات الأمن الغذائي:⁣ رحلة تكيف في عالم ما بعد الجائحة

يُعتبر مفهوم الأمن الغذائي من‍ المواضيع الهامة التي طرأت على الساحة العالمية بقوة في السنوات الأخيرة. “فقد أصبح الوصول⁤ إلى الغذاء الكافي والمغذي تحديًا حقيقيًا في ظل⁣ المتغيرات⁣ العالمية المتسارعة، بدءًا من التغيرات⁢ المناخية وصولًا ⁢إلى الأزمات الاقتصادية”.

الحاجة إلى معالجة المشاعر

لا ⁢شك أن انعدام ⁣الأمن الغذائي​ يُعدّ تحديًا ماديًا، إلا‍ أن له جانبًا نفسيًا واجتماعيًا لا يمكن إغفاله.

وتقول “ميريديث سوبيرغ،” ‌ الأخصائية النفسية: “إنّ الشعور بالجوع وعدم القدرة على توفير الطعام​ لأنفسنا أو لعائلاتنا يُعدّ من التجارب القاسية التي تترك أثرًا عميقًا في نفوسنا. فبالإضافة إلى المعاناة الجسدية، يعاني الأفراد من مشاعر القلق والخوف واليأس، مما ‌يؤثر ⁣سلبًا على ⁤صحتهم⁣ النفسية والعقلية”.

التحولات الصعبة

إنّ الانتقال من حالة الاكتفاء الغذائي – كأن⁤ يكون لديك خزانة ممتلئة بالطعام – ⁣إلى ‌حالة انعدام⁤ الأمن الغذائي، كأن تُجبر على الاعتماد على المساعدات الغذائية، يُعدّ من أصعب التحولات التي قد يمرّ بها الإنسان. فعلى سبيل المثال، أدّت جائحة كوفيد-19، إلى فقدان الكثيرين لوظائفهم ومصادر دخلهم، مما أدّى إلى زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي بشكلٍ ملحوظ.

وتُشير الإحصائيات إلى أنّ “أكثر من 820 مليون شخص حول العالم يعانون من نقص التغذية المزمن، ⁣في حين يعاني أكثر من 2 مليار شخص من انعدام الأمن ‍الغذائي بشكلٍ مُتفاوت”.

وتُضيف “سوبيرغ”: “إنّ التحديات التي تواجه الأفراد في ظلّ انعدام الأمن الغذائي لا تقتصر على توفير الطعام فحسب، بل تتعدّى ذلك لتشمل⁤ الحفاظ على الكرامة والشعور بالأمان. فالحاجة إلى الاعتماد على الآخرين لتوفير الطعام تُعدّ من التجارب القاسية التي​ تُفقِد الإنسان شعوره ‍بالاستقلالية والكفاءة”.

لذا، فإنّ من ⁢الضروري توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد الذين يعانون من انعدام ​الأمن الغذائي، لمساعدتهم على تخطّي⁢ هذه المحنة والحفاظ على صحتهم النفسية.

وتقول “سوبيرغ”: “لا بدّ من توعية ⁤المجتمع​ بأهمية الدعم النفسي ⁤للأفراد⁢ الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وتوفير الموارد اللازمة ⁤لمساعدتهم على تخطّي هذه المحنة. فالصحة النفسية لا تقلّ أهمية عن الصحة الجسدية، ⁢ويجب أن تُعطى نفس القدر من الاهتمام”.

ما الذي‍ يجب الانتباه إليه في عالم ما بعد الجائحة

لا‍ تزال تداعيات جائحة كوفيد-19 تلقي⁤ بظلالها على العالم، وتُعدّ قضية ‌الأمن الغذائي من أبرز التحديات التي تواجهنا. وتقول “سوبيرغ” إنّ هناك جملة من العلامات التي تدلّ على أنّ شخصًا ما يُعاني من انعدام الأمن ‍الغذائي. إليك بعضها:

  • كثرة الحديث عن الطعام والقلق بشأن عدم توفره.
  • تغيير عادات الأكل، كأن يقلّل الشخص من كمية الطعام التي يتناولها أو يتناول وجبات أقلّ في اليوم.
  • تزايد الشعور بالقلق والتوتر والاكتئاب.
  • العزلة الاجتماعية وتجنّب⁣ الاختلاط بالآخرين.
  • الشعور بالخجل‍ أو الخوف من طلب المساعدة.

وتُضيف “سوبيرغ”: “إنّ التعرّف على علامات انعدام‍ الأمن الغذائي يُساعدنا على تقديم الدعم اللازم للأفراد الذين يعانون منه. فكلّ ‍فرد في المجتمع مسؤول عن ضمان ⁤حصول الجميع على​ الغذاء الكافي والصحي”.

أعراض ⁤انعدام الأمن الغذائي التي يجب⁢ الانتباه لها

وتؤكّد “سوبيرغ” أنّ انعدام الأمن الغذائي يُعدّ مشكلةً ⁤مُعقّدة ومتعدّدة الأبعاد، وتتطلّب تضافر الجهود من قبل ‍الحكومات والمؤسّسات الدولية والمجتمع المدني للتصدّي لها. وتقول: “إنّ ضمان ‍الأمن الغذائي للجميع يُعدّ استثمارًا في⁢ مستقبل أفضل وأكثر ⁤ازدهارًا”.

وتُشدّد ‌”سوبيرغ” على أنّ انعدام الأمن الغذائي ليس مجرّد مشكلة فردية، بل‍ هو مشكلة مجتمعية تؤثّر على الجميع. وتقول: “إنّ التصدي لانعدام​ الأمن الغذائي يتطلّب ⁤منّا جميعًا العمل سويًا لبناء عالمٍ أكثر عدلًا واستدامة، عالمٍ يُمكن⁢ فيه للجميع الحصول على الغذاء الكافي والصحي”.

أعراض انعدام⁤ الأمن الغذائي التي يجب‍ الانتباه لها

وتُختتم “سوبيرغ” حديثها قائلةً: “إنّ انعدام الأمن الغذائي هو مشكلةٌ مُلحّة تتطلّب منّا جميعًا التحرّك الفوري. فكلّ فرد في⁣ المجتمع⁢ له دورٌ يلعبه في ⁤ضمان حصول الجميع ⁣على الغذاء الكافي والصحي”.

اضطرابات الأكل: عندما يتحوّل الطعام إلى عدوّ

نعيش في عالمٍ مهووسٍ بالمظهر الخارجي، حيث‍ تسيطر علينا صورٌ نمطيةٌ لـ “الجسم المثالي” عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وللأسف، قد يدفع ‍هذا الهوس ⁣البعض، وخاصةً الشباب، إلى هاوية ⁣اضطرابات⁣ الأكل، ظنًّا⁤ منهم ​أنّها الطريق نحو ⁣ تحقيق تلك⁣ الصورة “المثالية”.

ولكن، ما هي حقيقة اضطرابات الأكل؟

إنّها ليست مجرّد “حمية غذائية” أو “رغبة في إنقاص‌ الوزن”، ⁢بل هي أمراضٌ نفسيةٌ خطيرةٌ تؤثّر على علاقة الفرد بالطعام، وتُشوّه نظرته لشكله وجسمه. وتتعدّد أشكالها وأنواعها، منها فقدان الشهية العصابي ⁢(Anorexia Nervosa) والشره المرضي (Bulimia Nervosa) واضطراب نهم الطعام⁤ (Binge Eating Disorder) وغيرها.

وتُشير الإحصائيات العالمية إلى أنّ ما يقارب ٧٠‍ مليون شخص حول‍ العالم يُعانون من اضطرابات الأكل، والتي تُصيب النساء بنسبةٍ أكبر من الرجال.

ما هي العوامل التي قد تُؤدّي إلى ⁣الإصابة باضطرابات الأكل؟

تتداخل عدّة عوامل في ظهور هذه الاضطرابات، نذكر منها:

  • العوامل الوراثية: حيث تلعب الجينات دورًا في زيادة احتمالية الإصابة.
  • العوامل الاجتماعية: كالتعرّض لضغوطٍ اجتماعيةٍ ‌تدفع الفرد نحو​ الرغبة ‌في الحصول على⁤ جسدٍ “مثالي”.
  • العوامل النفسية: ⁢ كالشعور بانعدام الأمن، وتدنيّ احترام الذات،⁤ والاكتئاب.

ما هي أعراض اضطرابات الأكل؟

تختلف الأعراض من ⁤شخصٍ لآخر، ​وتتضمن:

  • فقدان الوزن بشكلٍ ⁢ملحوظٍ.
  • هوسٌ مُفرطٌ بالسعرات الحرارية.
  • الخوف الشديد من‌ اكتساب الوزن.
  • تناول الطعام بشراهةٍ ثمّ التقيؤ المُتعمّد.
  • ممارسة الرياضة بشكلٍ مُفرطٍ.
  • اضطراباتٌ في الدورة الشهرية.
  • مشاكلٌ في الأسنان⁢ بسبب التقيؤ المُتكرّر.

كيف يُمكن علاج اضطرابات الأكل؟

يعتمد علاج اضطرابات الأكل ‌على عدّة أساليب، منها:

  • العلاج ⁣النفسي: يساعد العلاج النفسي، وخاصةً العلاج السلوكي المعرفي، في تغيير ⁣الأفكار والسلوكيات ‍الخاطئة المتعلّقة بالطعام والجسم.
  • العلاج⁤ الغذائي: يهدف العلاج ​الغذائي إلى مساعدة المريض على اتّباع نظامٍ غذائيٍّ صحيٍّ ⁢ومُتوازنٍ.
  • العلاج الدوائي: قد يصف‌ الطبيب بعض الأدوية كمضادات الاكتئاب للمساعدة في علاج الأعراض المُصاحبة لاضطرابات الأكل.

الوقاية خيرٌ⁢ من العلاج

يُمكن الوقاية من اضطرابات ⁤الأكل من⁤ خلال:

  • التوعية بمخاطرها ونشر الوعي حولها.
  • تعزيز ثقة الفرد ‌بنفسه وتقبّل شكله كما هو.
  • التأكيد على أنّ ⁤الصحة أهمّ من المظهر الخارجي.
  • طلب المساعدة من المختصّين عند ملاحظة⁣ أيّ من الأعراض.

تذكّر أنّ الجمال الحقيقي ينبع من الداخل، وأنّ ⁢ لكلّ⁣ فردٍ جماله الخاصّ به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock