الجانب المظلم من الهوس بأن تكون شخصًا جيدًا
الجانب المُظلم من هاجس “الشخص الجيد”
قد يبدو الاعتراف بالخطأ أحيانًا كأنه سقوطٌ مُدويّ، لكن هل يُعقل أن يكون التمسك بِوَهْم الكمال هو الطريق الحقيقي نحو الهاوية الأخلاقية؟
لا يكمُن جوهر النُضج الأخلاقي في مطاردة سراب الكمال، بل في قدرتنا على مُواجهة أنفسنا بصدقٍ عند الخطأ، وفي كيفية تعاملنا مع من نختلف معهم، حتى أولئك الذين نراهم على ضلال. فالإنسان، بطبيعته، مُعرّض للخطأ، والتاريخ مليء بِأمثلة لأشخاصٍ ارتكبوا أخطاءً فادحةً رغم إيمانهم الراسخ بأنهم على صواب.
فعندما نتخيل “الشخص الجيد”، غالبًا ما تتبادر إلى أذهاننا صورةً مثالية لشخصٍ مُتواضعٍ يُكافح من أجل الإجابة على أسئلة الأخلاق المُلحّة: كيف نُصلح أخطاءنا؟ هل القسوة مُبرّرة أحيانًا؟ هل يُمكن أن نكون صالحين ونُدرك في الوقت ذاته عيوبنا؟ هل من المُمكن أن يكون هناك جزءٌ من الحقيقة في وجهة نظرٍ مُغايرة؟
لكن البعض، وللأسف، يقعون في فخ اليقين المُطلق، فيُحاولون فرض رؤيتهم للعالم على الآخرين، مُستخدمين إياها للارتقاء بأنفسهم. ونادرًا ما يُقرّ هؤلاء بأخطائهم، بل يُعيدون صياغة الأحداث بطريقةٍ تُبرّر قسوتهم.
يُمكن تشبيه هذه المرحلة بمرحلة المُراهقة الأخلاقية، حيث يكون شعارهم “أنا على حق، وأنت على خطأ!”. فكثيرًا ما يقعُ المرء في صراعٍ بين الاعتراف بِعيوبه والسعي نحو تطوير ذاته، وبين التشبّث بِوهم الكمال الذي يُرضي غروره.
إن الاعتراف بالخطأ، خاصةً أمام جماعةٍ ننتمي إليها، قد يكون أمرًا مُرعبًا، وكأننا نُجَرّد من هويتنا وقيمتنا. فعلى سبيل المثال، يُسلّط فيلم “ظل القائد” الضوء على قصة رودولف هوس، ضابط قوات الأمن الخاصة الألمانية، ودوره في إبادة اليهود. ورغم اعترافه بِشعوره بالذنب، إلا أنه يُبرّر أفعاله بِإيمانه بِواجبه.
يُصوّر الفيلم رودولف على أنه شخصٌ مُنضبطٌ يسعى للكمال، مُلتزمٌ بقيمه، لكن هذه القيم قادته لارتكاب جرائم بشعة. ورغم فداحة جرائمه، إلا أن ابنته وصفته بـ”الشخص الجيد”.
يُسلّط هذا المثال الضوء على الجانب المُظلم من هاجس الكمال، وكيف يُمكن أن يُحوّل المرء إلى شخصٍ مُغترٍّ بنفسه، غير قادرٍ على رؤية عيوبه.
إنّ السعي الحقيقي نحو الخير يتطلّب منّا أن نكون على درايةٍ دائمة بِتقصيرنا، وأن نُدرك أن الكمال هو رحلةٌ مُستمرةٌ من التعلّم والتطوّر، وليس نقطة وصولٍ نهائية.