## رحلة العمر: تأملات في عتبة الخامسة والسبعين
بينما أستقبل عامي الخامس والسبعين، تغمرني مشاعر جياشة وأفكار متدفقة حول معنى التقدم في العمر. إنها ليست مجرد سنة أخرى تُضاف إلى رصيد السنين، بل هي مرحلة جديدة من التأمل والوعي بمرور الزمن وهبة الحياة.
- لطالما كان شبح الموت بعيدًا عن مخيلتي، حتى بلغت الستين. عندها أدركت أنني أعيش النصف الثاني من رحلتي. في تلك الفترة، كان صوتان يتنازعان داخلي: صوت يذكرني بحتمية النهاية، وآخر يتمسك بشباب الروح. أما اليوم، فأشعر بأن تقبل فكرة الموت أصبح جزءًا لا يتجزأ من كياني. أدركت أن الحياة هشة، وأن علينا أن نعيشها بوعي وإدراك، خاصة بعد أن فقدت صديق طفولة عزيزًا بسبب مرض السرطان مؤخرًا.
- أؤمن بأن جوهرنا يتجاوز حدود الجسد. أؤمن بوجود “روح” تُحلّق بعد أن نغادر هذه الدنيا، ولا أدعي معرفة مصيرها، لكن هذا الغموض هو ما يضفي على الحياة رونقها وسحرها.
- في منتصف العشرينات من عمري، وجدت رسالتي في مساعدة الآخرين كمعالجة نفسية وجودية. على مدى 50 عامًا، كرست حياتي لدعم الناس في رحلة البحث عن المعنى والهدف. مؤخرًا، التقيت بزميلين شابين قررا التخصص في مجال العلاج الوجودي وتأثيره على النظام الرأسمالي. شعرت بالسعادة لفخرهما، لكن صاحبها شبح الحنين إلى حيوية الشباب وحماسة البدايات. أدركت أن هناك فصولاً في الحياة لا يمكن إعادة كتابتها، وأن لكل مرحلة جمالها وفرادتها. أنا اليوم كالغزالة العجوز التي ترشد صغارها، وليس بمقدوري أن أكون كليهما في آن واحد. إنها مفارقة الحياة: فمع كل خسارة هناك مكسب، ومع كل مكسب هناك خسارة.
- من الطبيعي أن نشعر بالحزن أو الفقدان مع التقدم في السن، فهي مشاعر إنسانية صادقة لا ينبغي إنكارها أو تجاهلها. إنها جزء من دورة الحياة وتطورها. علينا أن نتقبلها ونعي أنها ستتلاشى مع الوقت، وستحل محلها مشاعر أخرى كالسعادة والرضا والامتنان للحكمة التي اكتسبناها على مر السنين.
- تقول الدكتورة إليزابيث كوبلر روس، الطبيبة النفسية الشهيرة، في كتابها “عن الموت والموت”: “إن الحياة غير المُختبرة لا تستحق أن تُعاش”. وأنا أؤمن أن كل لحظة نعيشها هي فرصة للتعلم والتطور وترك بصمتنا في هذا العالم.
- في عتبة الخامسة والسبعين، أشعر براحة نفسية وقبول للذات لم أختبرها من قبل. لقد تجاوزت مرحلة البحث عن التقدير الخارجي، وأصبحت أُقدّر نفسي لما أنا عليه، بغض النظر عن الإنجازات أو النجاحات.
إنها رحلة مستمرة، رحلة تتخللها التحديات والانتصارات، والأفراح والأحزان. أدعوكم لأن تستقبلوا كل مرحلة عمرية بقلوب منفتحة وعقول مستعدة للتعلم. استمتعوا بكل لحظة وتذكروا أن الحياة قصيرة جداً لنؤجل عيشها على أكمل وجه.