كشف العلمانيون عن كونهم قوة سياسية فريدة في أمريكا، مع اختلاف مثير للاهتمام عن الليبراليين

العلمانية في أمريكا: هوية سياسية متنامية أم مجرد غياب للدين؟
شهدت العقود الأخيرة تحولًا ملحوظًا في المشهد الديني الأمريكي، تمثل في تراجع ملحوظ في معدلات التدين. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تُصنف كدولة متدينة نسبيًا مقارنة بدول أخرى، إلا أن هذا التراجع أثار تساؤلات حول طبيعة الهوية ”غير المتدينة” وتأثيرها على المشهد السياسي.
تناولت دراسة حديثة نُشرت في مجلة ”التطورات في علم النفس السياسي” هذه الظاهرة، مُسلطةً الضوء على الفارق الجوهري بين “اللادينية” و “العلمانية”. وخلصت الدراسة إلى أن العلمانيين لا يُشكلون مجرد شريحة من غير المتدينين، بل يمثلون مجموعة متميزة بمعتقداتها وتوجهاتها السياسية، مما يُبرز أهمية فهمهم كفئة مستقلة عند تحليل الديناميكيات السياسية المعاصرة.
اعتمد الباحثون على بيانات من مسوحات واسعة النطاق، مثل المسح الاجتماعي العام واستطلاعات غالوب ومركز بيو للأبحاث، لرصد التوجهات العلمانية والدينية في الولايات المتحدة على مدى العقود الماضية.
وأظهرت النتائج أن العلمانية تتجاوز مجرد غياب الانتماء الديني، فهي هوية إيجابية تقوم على تبني المبادئ المبنية على الأدلة التجريبية والتفكير العقلاني. فعلى سبيل المثال، أظهر العلمانيون تشككًا صحيًا تجاه نظريات المؤامرة، مما يعكس اعتمادهم على التفكير النقدي وتحليل المعلومات.
وفي سياق متصل، كشفت الدراسة عن وجود ارتباط وثيق بين العلمانية والمواقف السياسية الليبرالية، حيث أظهر العلمانيون دعمًا للمرشحين الديمقراطيين والسياسات الليبرالية في مختلف المجالات مثل الرعاية الاجتماعية وحماية البيئة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد ليشمل دعمًا قويًا للقيم الديمقراطية الأساسية، مثل الديمقراطية التشاركية وحرية التعبير، حتى فيما يتعلق بالأفكار غير الشعبية أو المثيرة للجدل.
ومن المثير للاهتمام أن الدراسة وجدت أن العلمانيين، على الرغم من هويتهم القوية ومشاركتهم السياسية، لا يشاركون بنشاط في المنظمات العلمانية. ويعود ذلك لأن العلمانية، في جوهرها، هوية فكرية وفلسفية تعتمد على القناعات الفردية، وليست حركة اجتماعية منظمة.
وخلص الباحثون إلى أن فهم العلمانية كفئة مستقلة ومؤثرة أصبح ضرورة لفهم المشهد السياسي الأمريكي بشكل دقيق. فمع تزايد أعداد العلمانيين وتأثيرهم، يُصبح من الضروري للنُخب السياسية أخذهم بعين الاعتبار عند صياغة السياسات وبرامجهم الانتخابية.
الدراسة:
Layman, G. C., Campbell, D. E., & Allen, L. G. (2023). The Secular Voter: Secularism and Political Attitudes in the United States. Political Psychology. https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1111/pops.13007