داخل قرارات صناع الثقاب في الحياة الواقعية
بين الخوارزميات وخبراء التوفيق: نظرة على مستقبل العلاقات
شهدت العقود الأخيرة صعودًا ملحوظًا لتطبيقات المواعدة عبر الإنترنت، تلك المنصات التي تعتمد على الخوارزميات لربط القلوب وتسهيل اللقاءات. وبالفعل، نجحت هذه التقنية في توسيع نطاق التعارف وتوفيره على نطاق واسع بتكلفة أقل.
لكن، ومع تزايد الإحباط من محدودية هذه التطبيقات، عادت مهنة التوفيق بين الأشخاص للواجهة بقوة، مما طرح تساؤلات هامة حول الفروق الجوهرية بينهما. فما الذي يجعل خبراء التوفيق مختلفين عن مجرد خوارزمية؟ وما هي المعايير التي يعتمدونها لاختيار الشريك والتي قد تغفلها التطبيقات الإلكترونية؟
في دراسة جديدة نشرتها مجلة العلاقات الاجتماعية والشخصية، تم استكشاف هذه التساؤلات الهامة من خلال الاعتماد على بيانات تم جمعها من خبراء في مجال التوفيق بين الأشخاص.
ما الذي يبحث عنه خبراء التوفيق؟
أجريت الدراسة الأولى على عينة من ٢٩ خبيرًا في مجال التوفيق، جميعهم من النساء الحاصلات على تعليم جامعي، بمتوسط عمر ٣٨ عامًا، ومتوسط خبرة في المجال يبلغ ٥ سنوات.
أجمع الخبراء على أن ما يميزهم عن تطبيقات المواعدة هو اعتمادهم على البيانات النوعية والتحليل العميق للشخصية عند اختيار الشريك.
فعلى سبيل المثال، ذكرت إحدى الخبيرات: “تقدم التطبيقات خيارات محدودة مثل “يريد أطفالًا” أو “لا يريد أطفالًا”، بينما الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. فماذا لو كان لدى الشخص أطفال من علاقة سابقة، أو يرغب في التبني؟ هنا يأتي دور الخبير في فهم التفاصيل الدقيقة و الخفية التي لا يمكن للخوارزميات التقاطها”.
وأكدت خبيرة أخرى على أهمية التفاعل المباشر مع العملاء، قائلة: “نقوم بمرافقة كل شخص في أول موعد له، فنحن نلاحظ طريقة تعامله مع الآخرين، ونبرة صوته، ولغة جسده، وهي أمور لا يمكن للتطبيقات الإلكترونية رصدها”.
كشفت الدراسة أن أهم الصفات التي يبحث عنها خبراء التوفيق في الشريك هي الاستقرار المالي والمهني، وعدم التدخين، والصدق، والاستقرار العاطفي، بالإضافة إلى المظهر الجذاب.
ما الذي يجذب العملاء (وما الذي ينفرهم)؟
في المرحلة الثانية من الدراسة، تم جمع بيانات من ٣١ زوجًا تم التوفيق بينهم بنجاح، بمتوسط عمر ٤٠ عامًا، و مستوى دخل وتعليم مرتفع.
أظهرت النتائج أن أهم الصفات التي يبحث عنها العملاء في شريك الحياة هي الذكاء، والطموح، وحسن التواصل، وروح الدعابة، بالإضافة إلى المظهر الجذاب والقيم المشتركة مثل حب الأطفال والمعتقدات الدينية.
أما أبرز عوامل النفور التي أدت إلى فشل بعض العلاقات فكانت التدخين، وتعاطي المخدرات، وعدم الأمانة، وعدم النضج، وعدم التوافق في المعتقدات السياسية والدينية، وعدم الرغبة في إنجاب الأطفال، بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى مثل امتلاك الحيوانات الأليفة أو التاريخ العائلي.
الخلاصة: التوفيق بين التكنولوجيا والخبرة الإنسانية
لا شك أن الخوارزميات تتمتع بقدرات هائلة في تحليل البيانات الضخمة وتوفير رؤى قيمة حول تفضيلات الأشخاص في العلاقات.
لكن خبراء التوفيق يمتلكون بعدًا إنسانيًا لا يمكن للخوارزميات مضاهاته. فهم يساعدون الأشخاص على فهم أنفسهم بشكل أفضل، و تحديد احتياجاتهم الحقيقية ، و تجاوز المعتقدات الخاطئة حول العلاقات.
وكما أشارت إحدى الخبيرات: ” يعتقد العديد من الأشخاص أن العثور على شريك الحياة أصبح أمرًا سهلاً بفضل التكنولوجيا، لكن الحقيقة أن بناء علاقة ناجحة يتطلب جهدًا ووقتًا و فهمًا عميقًا للذات وللآخر “.
للمزيد من المعلومات، يمكنكم الاستماع إلى البودكاست الخاص بـ مراجعة هارفارد لعلوم البيانات و تبدو عظيما الذي يستضيف الخبيرتين تاليا جولدشتاين و [اسم كاتبة المقال] لمناقشة مزايا و عيوب تطبيقات المواعدة مقارنة بوكلاء التوفيق .