الحفاظ على العقل السليم عندما تكون الأخبار مجنونة
## عندما تُرهقك الأخبار: كيف تحافظ على سلامة عقلك في عالمٍ مُشبّع بالمعلومات؟
هل سبق لك أن شعرت بالضيق والتوتر بعد متابعة الأخبار؟ لست وحدك! فالإفراط في استهلاك الأخبار يُشبه الإفراط في تناول الطعام، فكلاهما قد يُسبب لك الضرر. تركّز الأخبار بطبيعتها على الأحداث الصادمة والمأساوية، تلك التي تجذب انتباهنا وتُثير قلقنا. فالأخبار، كما يُقال، تُسلّط الضوء على كل ما ينزف، تاركةً قصص اللطف والكرم تتوارى في الخلفية.
وقد أثبتت الدراسات، مثل تلك التي أُجريت بعد أحداث صادمة ، وجود علاقة وثيقة بين كثافة متابعة الأخبار والتأثيرات السلبية على الصحة النفسية. وفي ظل عالمنا اليوم، المُتقلب سياسياً والمُهدّد بيئياً، يُصبح من الضروري أن نُدرك تأثير الأخبار على صحتنا النفسية.
كيف تُحافظ على توازنك في عالمٍ مُشبّع بالأخبار؟
لا شكّ أن متابعة الأخبار ضرورية، لكن الإفراط فيها قد يُصبح مُرهِقاً. لذا، من المهم أن تُحدّد أولوياتك، وأن تُركّز على ما يهمّك حقاً: عائلتك، أصدقاؤك، شغفك. لا يعني ذلك تجاهل الأخبار تماماً، بل وضعها في إطارها الصحيح، وعدم السماح لها بالسيطرة على حياتك.
إن الحفاظ على سلامة عقلِك يتطلّب التركيز على ما يُسعدك ويُنمّيك. لا يتعلق الأمر بأفعالٍ عظيمة، بل بخطواتٍ صغيرة تُمارسها يومياً. فالعالم الأفضل، كما يُقال، يصنعه أشخاصٌ عاديون يقومون بأشياءٍ صغيرة ولكنها مُهمّة.
ولا نستطيع الحديث عن الصحة النفسية دون التطرّق إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أظهرت دراسات مُتعدّدة وجود علاقة بين الاستخدام المُفرط لتلك المنصات والتأثير السلبي على الصحة النفسية.
لذا، من الضروري أن تُحدّد وقتاً مُحدّداً لاستخدام فيسبوك، وتيك توك، وتويتر، وغيرها من المنصات. تذكّر أن وسائل التواصل الاجتماعي تُشبه الحلوى، فكلاهما يُمكن الاستمتاع به باعتدال، لكن الإفراط فيهما مُضرّ. فكما أن تناول قطعة كبيرة من الكعكة قبل النوم مباشرةً ليس بفكرة جيدة، فإن قضاء ساعاتٍ طويلة على هاتفك قبل النوم مُضرّ بصحتك النفسية.
تميّز، فكّر، ثمّ صدّق
دعنا نُشبّه الأخبار بالطعام مرّةً أخرى. فالشعارات البراقة، والإعلانات الجذّابة، والتغليف المُلفت، لا تضمن بالضرورة جودة المنتج. من المهمّ قراءة مُلصقات الطعام، والبحث عن مصادر موثوقة لمعرفة المزيد عن الأنظمة الغذائية الصحية. كذلك الأمر بالنسبة للأخبار، علينا أن نُفكّر، ونُحلّل، ونُميّز بين مصادر المعلومات المُختلفة. فبعضها أكثر مصداقيةً من غيرها، وأقلّ تحيّزاً، وأكثر دقةً في نقل المعلومات.
من حقّك أن تُشكّك بآراء الخبراء وأصحاب السلطة، فهم ليسوا مُصيبين دائماً. لكنّ ذلك لا يعني تصديق كلّ ما يُعارض آرائهم. تذكّر مقولة رونالد ريغان: “ثق ولكن تحقّق”. فبدلاً من تصديق كلّ ما تقرأه على الإنترنت، ابحث عن مصادر موثوقة، واستمع لآراء الخبراء المُختصّين.
إنّ فقدان الثقة هو أخطر ما يُمكن أن يُصيبنا في عالمٍ مُشبّع بالمعلومات. فهو يُؤدّي إلى الانعزال، والشكّ في كلّ شيء، والبحث عن الأمان في جماعات تُصنّف العالم إلى أبيض وأسود، صالح وطالح. وهنا يكمن خطر الانغماس في عالم المؤامرات، حيث نفقد القدرة على التفكير النقديّ، ونُسلّم عقولنا لمن يدّعون امتلاك الحقيقة المطلقة. لذا، علينا أن نُحافظ على حسّنا النقديّ، ونُقاوم الإغراق في عالم الشكّ والريبة.