دراسة تكشف عن التأثير الدائم لتدريب التعاطف على التوسع الأخلاقي
## إعادة التفكير في التعاطف: رحلة نحو عالم أكثر إنسانية
كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة التعاطف أن التعاطف ليس مجرد شعور عابر، بل هو مهارة قابلة للتطوير والتدريب مثلها مثل أي مهارة أخرى. فقد وجد الباحثون أن ممارسة تمارين محددة لتنمية التعاطف يمكن أن تؤدي إلى تغيرات إيجابية في سلوك الأفراد وتعاملهم مع الآخرين. وتشمل هذه التمارين التركيز على مشاعر الآخرين، ومحاولة فهم وجهات نظرهم، وتنمية الشعور بالامتنان واللطف.
يشير بعض الباحثين إلى أن العيش في عالم متسارع يعتمد على التكنولوجيا قد أضعف من قدرتنا على التعاطف مع الآخرين. فقد أصبحنا أكثر انشغالًا بأنفسنا وأقل وعيًا بمعاناة من حولنا. ولكن، ما زالت هناك فرصة لإعادة إحياء هذه القيمة الإنسانية الهامة. فمن خلال ممارسة تمارين التعاطف، يمكننا أن نصبح أكثر وعيًا بمشاعر الآخرين واحتياجاتهم، ونطور علاقات أقوى وأكثر إنسانية. ويمكن أن تساهم هذه الممارسات في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا وتعاونًا.
ولكن، لا يقتصر دور التعاطف على تحسين العلاقات الشخصية فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب حياتنا المختلفة. فقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدر عالٍ من التعاطف يكونون أكثر نجاحًا في حياتهم المهنية، ويتمتعون بصحة نفسية وجسدية أفضل. وذلك لأن التعاطف يساعد على التخفيف من التوتر والقلق، ويعزز الشعور بالسعادة والرضا عن الحياة.
“إنّ تنمية التعاطف، في رأيي، ليست مجرد خيار أخلاقي، بل هي ضرورة ملحة في عالمنا اليوم، عالم يعاني من انتشار الصراعات والانقسامات” ، يقول جيمس كيربي، أستاذ علم النفس الإيجابي ومؤلف كتاب قوة التعاطف.
“إنّ التعاطف هو المفتاح لبناء علاقات إنسانية قوية وصحية، سواء على المستوى الشخصي أو المهني. فعندما نتعاطف مع الآخرين، نصبح أكثر قدرة على فهمهم ودعمهم، ونخلق بيئة إيجابية للجميع. لذلك، علينا أن نعمل على تنمية هذه القيمة الهامة في نفوسنا ونغرسها في أجيالنا القادمة”.
“لا يعني التعاطف بالضرورة أن نتفق مع الآخرين في كل شيء، ولكنه يعني أن نحترم مشاعرهم ووجهات نظرهم، وأن نتعامل معهم بإنسانية ولطف. فالتعاطف هو اللغة التي يفهمها الجميع، وهو السبيل لبناء عالم أفضل وأكثر سلامًا”.
شارك في الدراسة التي أجراها كيربي 102 متطوعًا، خضعوا لبرنامج تدريبي لتنمية التعاطف. وقد أظهرت النتائج أن المشاركين الذين أكملوا البرنامج التدريبي قد تحسن لديهم مستوى التعاطف بشكل ملحوظ، كما انخفض لديهم مستوى التوتر والقلق. وأشارت الدراسة إلى أن ممارسة تمارين التعاطف بشكل منتظم يمكن أن تساهم في تحسين الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.
وتؤكد النتائج أهمية دمج برامج تنمية التعاطف في مختلف المجالات، بدءًا من المؤسسات التعليمية وصولًا إلى أماكن العمل. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساهم هذه البرامج في تحسين التواصل بين الطلاب والمعلمين، وتعزيز روح الفريق والتعاون في بيئة العمل.
لذا، فلنجعل من التعاطف ركيزة أساسية في حياتنا، ولنسعَ جاهدين لخلق عالم أكثر إنسانية وتفهمًا. فالتعاطف هو المفتاح لبناء مجتمعات قوية ومتماسكة، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون البنّاء. (للحصول على تمارين عملية لتنمية التعاطف: https://soundcloud.com/jamesn-kirby/sets/compassionate-mind-training-1.)
وبالإضافة إلى ذلك، يستخدم الباحثون مقياسين رئيسيين لدراسة التعاطف: مقياس التعاطف مع الآخرين (MES) ومقياس التعاطف والقلق (CEAS). ويقيس مقياس MES مدى تعاطف الأفراد مع مشاعر الآخرين واحتياجاتهم، بينما يقيس مقياس CEAS مستوى التعاطف مع الذات والتعاطف مع الآخرين، ومستوى القلق المرتبط بالتعاطف. وتساعد هذه المقاييس الباحثين على فهم طبيعة التعاطف وعوامله المؤثرة، وتطوير برامج فعالة لتنميته.
باختصار، يُعدّ التعاطف مهارة أساسية لبناء علاقات إنسانية قوية وصحية، وتحقيق السعادة والنجاح في مختلف مجالات الحياة. ولتحقيق ذلك، علينا أن نعمل على تنمية هذه القيمة الهامة في نفوسنا، ونغرسها في أجيالنا القادمة. فالتعاطف هو اللغة التي توحّد القلوب، وتبني جسورًا من التفاهم والاحترام بين البشر.
هل يؤثر الذكاء الاصطناعي على سعادة الموظفين؟
يشهد عالمنا اليوم ثورة تقنية هائلة يقودها الذكاء الاصطناعي، الذي بدأ يتغلغل في مختلف جوانب حياتنا، بما في ذلك بيئة العمل. فبينما يرى البعض في هذه التقنية فرصةً لتعزيز الإنتاجية وتسهيل المهام، يخشى آخرون من تأثيرها السلبي على سعادة الموظفين واستقرارهم الوظيفي.
أظهرت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة “ميسي” (MES) أنّ متوسط سعادة الموظفين الذين يتعاملون مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ يومي بلغ 9.54 نقطة من أصل 10، مقارنةً بـ 11.65 نقطة للموظفين في بيئات العمل التقليدية. وتُعزى هذه الفوارق إلى الضغوطات التي قد يسببها التعامل مع أنظمة جديدة والتخوف من إمكانية استبدالهم بالروبوتات في المستقبل.
لكن، لا يمكننا إغفال الجانب الإيجابي لل
ذكاء الاصطناعي. فقد أشارت دراسة أخرى أجرتها “ميسي” إلى أنّ نسبة رضا الموظفين عن بيئة العمل التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تراوحت بين 5.69 و 7.54 نقطة، وهي نسبة تُظهر وجود تحسنٍ ملحوظ في مفهوم بيئة العمل المعتمدة على التكنولوجيا. ويرجع ذلك إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة المهام الروتينية، مما يُتيح للموظفين التفرغ للمهام الأكثر إبداعًا وتحديًا، مما يُعزز من شعورهم بالرضا عن أنفسهم ووظائفهم.
ولكن، يبقى السؤال الأهم: كيف نضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي عاملًا مساعدًا للموظفين لا منافسًا لهم؟ تكمن الإجابة في إيجاد التوازن بين اعتماد التقنية وتنمية مهارات الموظفين. فبدلاً من التخوف من الذكاء الاصطناعي، يجب أن ننظر إليه كأداة لتحسين حياتنا العمالية وتطويرها.
ونُشير هنا إلى دراسة نُشرت في مجلة “PsyPost” أكدت أنّ “الموظفين الذين يتمتعون بمستوى مرتفع من الثقة بالنفس والقدرة على التكيف مع التغيرات كانوا أكثر سع
ادةً ورضا عن وظائفهم في بيئات العمل المعتمدة على الذكاء الاصطناعي”.
لذلك، يجب على الشركات أن تُركز على تدريب موظفيها وتزويدهم بالخبرات اللازمة للتعامل مع التقنيات الجديدة بثقة وكفاءة. كما يجب أن تُشركهم في عملية دمج الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل لضمان سلاسة الانتقال وتحقيق أقصى استفادة من هذه التقنية الواعدة.
وفي الختام، يُمكن القول إنّ الذكاء الاصطناعي يمثل فرصةً ثمينةً لتحسين بيئة العمل وزيادة إنتاجية الموظفين، ولكن يجب أن يتم ذلك بطريقة مدروسة تضمن سعادة الموظفين ورضاهم عن وظائفهم.