الملل من تغير المناخ | علم النفس اليوم
هل الملل هو ما يمنعنا من إنقاذ كوكبنا؟
في عام 1962، دقت راشيل كارسون ناقوس الخطر في كتابها “الربيع الصامت”، محذرةً من مخاطر الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية. لم تكن كارسون الوحيدة التي أدركت خطورة الوضع، لكنّ كتابها ألقى الضوء على التأثيرات الكارثية بطريقة تركت بصمة لا تُمحى.[i]
يُعتبر كتاب كارسون نقطة تحول، حيث فتح النقاش على نطاق واسع حول تأثير الإنسان على البيئة. فمنذ القرن التاسع عشر، كان العلماء قلقين بشأن تدخل الإنسان في الطبيعة وتأثيره على المناخ.[ii] لكن لم يتحول هذا القلق إلى حديث جاد عن تغير المناخ إلا في أواخر القرن العشرين.
اليوم، تغصّنا التقارير السنوية للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ونشرات الأخبار المسائية في دوامة من الأزمات البيئية. ومع ذلك، يبدو أن جهود التصدي لتغير المناخ تصطدم بحائط صدّ من الجمود. فما السبب وراء هذا التراخي؟
بين المصالح الخاصة والعواطف المتضاربة
لا شك أن للمصالح الخاصة دور كبير في عرقلة جهود مكافحة تغير المناخ، سواء من خلال تحميل الأفراد مسؤولية الشركات أو ممارسة الضغط على الحكومات لإبطاء وتيرة التغيير.
ولكن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا في هذا الصدد، منها العامل النفسي. فقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص ذوي الميول السياسية المحافظة أقل قلقًا بشأن تغير المناخ وبالتالي أقل استعدادًا للتحرك.
وتتجلى قوة العامل النفسي في التأثير الكبير للعواطف على سلوكنا. فأزمات المناخ تثير فينا مشاعر قلق عميقة، قد تدفعنا للتحرك أو تدفعنا للاستسلام.
فمن ناحية، قد يدفعنا القلق إلى اتخاذ خطوات للتخفيف من حدة الأزمة. ومن ناحية أخرى، قد يُشعرنا بالعجز أمام هول التهديدات، فنستسلم لليأس.
ولا يختلف الحال مع مشاعر العجز، فهي سلاح ذو حدين. فقد يعتقد البعض أن التصرف الفردي لا طائل منه أمام ضخامة الأزمة، فيستسلمون للخمول. بينما قد يرى آخرون في هذا العجز دافعًا للانضمام إلى جهود جماعية، إيمانًا منهم بأن العمل الجماعي هو السبيل الوحيد للتغيير.
هل الملل هو العدو الصامت؟
قد يبدو الأمر غريبًا، لكن الملل يلعب دورًا في تقاعسنا عن مواجهة أزمة المناخ. فقد أظهرت دراسة حديثة أجراها ناثانيال جيجر وزملاؤه أن الملل من بين العوامل التي تؤثر على سلوكنا تجاه قضايا البيئة.
فكيف يصبح الملل عائقًا أمام إنقاذ كوكبنا؟
- توقعات سلبية: عندما نتوقع أن يكون القيام بعمل ما مملاً، يصبح من الصعب الالتزام به. فعلى سبيل المثال، قد تبدو لنا أفعال مثل إعادة التدوير تافهة ومملة، فنبتعد عنها.
- التكرار والإرهاق: يؤدي التعرض المستمر للرسائل السلبية حول أزمة المناخ إلى شعور بالملل واللامبالاة. وهنا يمكن الاستفادة من الدروس المستفادة من حملات مكافحة التدخين، والتي نجحت في تغيير سلوك المدخنين من خلال التوعية بمخاطر التدخين بطرق مبتكرة ومؤثرة.
من الملل إلى العمل: نحو مستقبل أفضل
لا يجب الاستسلام للجمود أو اليأس. فأزمة المناخ هي مسؤوليتنا جميعًا، وكل فرد قادر على إحداث فرق. فلنستبدل الملل بالحماس، ونحول التحديات إلى فرص لبناء مستقبل أفضل للجميع.
## هل الملل هو عدو البيئة؟ لماذا قد يدفعنا الشعور بالرتابة إلى تجاهل أزمة المناخ
في تسعينيات القرن الماضي، أطلقت أستراليا حملة توعوية صادمة لمكافحة القيادة تحت تأثير الكحول. فقد غزت الصور والشعارات الصريحة (“إذا كنت تشرب وتقود السيارة، فأنت أحمق!”) الشاشات واللوحات الإعلانية، مُصوّرةً بشكلٍ صارخ عواقب هذه المُخالفة.
واليوم، تُشبه القصص اليومية عن التأثيرات المُدمرة لأزمة المناخ تلك الحملات الصادمة. فنحن نُشاهد حرائق الغابات المُروعة، والفيضانات العارمة، وموجات الحرّ القاتلة، ونُدرك أنها مجرد لمحة عن مستقبل مُخيف بسبب تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري. لكن المُشكلة أن التعود على هذه الصور الصادمة قد يُؤدي إلى الشعور بالفتور، بل وربما الملل!
أظهرت دراسة حديثة أن تأثير التحذيرات الصحية على علب السجائر قد انخفض بشكلٍ كبير خلال تسع سنوات في كلٍ من كندا والولايات المتحدة. المُثير للاهتمام أن الانخفاض كان أكثر وضوحًا في كندا، حيث استُخدمت صور مُروعة، مُقارنةً بالولايات المتحدة التي اكتفت بتحذيرات نصية. يُشير هذا إلى أن الصدمة الزائدة قد تُفقد الإعلان تأثيره على المدى الطويل.
ولكن، لماذا قد نشعر بالملل من قضيةٍ بهذه الأهمية كأزمة المناخ؟
قد يُعزى ذلك جزئيًا إلى رغبتنا الفطرية في امتلاك زمام الأمور. فنحن نُدرك أن التغيير ضروري، وأننا نتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات. لكن الدعوات المُتكررة لتغيير سلوكياتنا في مواجهة أزمة المناخ تُهدد شعورنا بالاستقلالية. فنحن نُلام على أخطاء الماضي، ونُلزم باتباع قواعد جديدة، مما قد يُولد شعورًا بالضغط والرغبة في التمرد.
كما أن الشعور بالعجز يلعب دورًا هامًا في توليد الملل. فعندما نشعر أننا نفتقر إلى القدرة على التحكم في حياتنا واتخاذ قرارات مؤثرة، نُصبح أكثر عرضةً للملل واللامبالاة. وهذا ينطبق على مُختلف جوانب الحياة، بما في ذلك المشاركة السياسية والتصويت، حيث يُلاحظ أن الأشخاص الذين يرون هذه الأنشطة بلا جدوى أكثر عرضةً للشعور بالملل.
بالإضافة إلى ذلك، قد يُعزى الملل إلى غياب الشعور بالارتباط الشخصي بأزمة المناخ. فقد تبدو التأثيرات بعيدةً عنّا، خاصةً إذا كنا نعيش في مناطق لم تتأثر بشكلٍ مباشر. وحتى عندما نُدرك هذه التأثيرات، قد لا نعتبرها مُهددة لحياتنا اليومية. فقد نرى انخفاض تساقط الثلوج أو قلة أيام التزلج على الجليد مجرد تغيرات بسيطة لا تستدعي القلق. وهذا الانفصال يُؤدي إلى فقدان الشعور بأهمية التحرك لمواجهة الأزمة.
وقد أكدت دراسة أجراها جيجر و زملاؤه أن الشعور بالعجز والقلق ليس هو العامل الرئيسي في دفع الناس للتحرك لمواجهة تغير المناخ، بل إن الملل يلعب دورًا أكبر. فكلما زاد شعور الناس بالملل من قضية تغير المناخ، قل احتمال قيامهم بأي إجراء فعال.
المُثير للدهشة أن الملل والعجز لم يُؤثرا بشكلٍ تراكمي. فمهما كانت الآلية التي يرتبط بها الملل بعدم التحرك، فإن الملل لم يكن مجرد سبب يجعل الناس يستسلمون لليأس ويقولون: “ما الفائدة؟”.
نحتاج إلى المزيد من الدراسات لفهم هذه العلاقة بشكلٍ أفضل. ولكن ربما يكمن التفسير في شعورنا باللامبالاة تجاه الرسائل المُتكررة حول انهيار المناخ، أو في صراعنا الداخلي حول مدى تأثير أفعالنا على الواقع. إن الشعور بالعجز هو المسؤول الحقيقي عن جمود الكثيرين، ويزداد هذا الشعور سوءًا عند الأشخاص الذين يُعانون من الملل. فقد يمنعهم شعورهم بعدم القدرة على التصرف من المشاركة في أي نشاط، بما في ذلك الأنشطة التي قد تساعد في مواجهة أزمة المناخ.
نفحات من الأمل: دافع التغيير في وجه تحديات المناخ
بين غياهب القلق المتزايد حول مستقبل كوكبنا، يبزغ بصيص من الأمل كمحرك رئيسي يدفعنا نحو العمل لمواجهة أزمة المناخ. فقد كشفت دراسة حديثة أن الشعور بالأمل هو العامل الأكثر تأثيراً في تحفيز الناس على اتخاذ خطوات إيجابية تجاه التغير المناخي. فكلما زاد شعور الأفراد بالأمل تجاه إمكانية إحداث فرق، زادت رغبتهم في المشاركة الفعّالة في إيجاد الحلول.
ولكن كيف يمكننا إشعال شعلة الأمل هذه وتحويلها إلى قوة دافعة للتغيير؟
يكمن السر في إدراكنا العميق بأن أهدافنا البيئية هامة وقابلة للبلوغ من خلال تكاتف جهودنا. فالأمل ليس مجرد شعور عابر، بل هو بوصلة توجهنا نحو مستقبل أفضل، مستقبل نستطيع فيه التخفيف من آثار التغير المناخي وبناء بيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة.
ولعلنا نستلهم الدروس من قصص النجاح حول العالم، حيث تمكنت المجتمعات من تحقيق إنجازات ملحوظة في مجال حماية البيئة من خلال تبني حلول مبتكرة ومستدامة.
فلنجعل من الأمل شعلة تنير دروبنا ونبراساً يهدينا نحو مستقبل أكثر استدامة لأنفسنا وللأجيال القادمة.