إن الحفاظ على علاقات صحية وقوية هو حجر الزاوية لحياة سعيدة ومستقرة. ولكن كيف نضمن ذلك في خضم زحام الحياة وضغوطاتها؟ الجواب يكمن في الذكاء العاطفي! فهو يمنحنا ثلاث مهارات أساسية تساعدنا على توطيد علاقاتنا مع الأشخاص الذين نهتم لأمرهم، كما تحمينا من الاستغلال والتلاعب.
1. التعاطف لا يعني تمكين السلوك السلبي:
يُعدّ التعاطف من أهم عوامل نجاح العلاقات وتوطيدها. ولكن كيف نُظهر التعاطف بشكل صحيح؟ الخطوة الأولى هي الاستماع بإنصات لفهم مشاعر الشخص الآخر. حاول أن تتذكر موقفًا مررت به ونشأ عنه نفس الشعور، هذا سيساعدك على التعاطف بشكل أعمق. أخيرًا، عبّر عن تفهمك لمشاعره. تذكر أن التعاطف لا يعني إيجاد حلول جاهزة أو التدخل لحل مشاكل الآخرين.
لنأخذ مثالاً على ذلك: تخيل أن “ليلى” عادت إلى مكتبها وهي حزينة ومحبطة، وأخبرت زميلتها “سلمى” أن مديرتها انتقدت أداءها في أحد المشاريع ورفضت ترقيتها. استمعت “سلمى” بإهتمام وشعرت بخيبة أمل “ليلى”. فقالت لها: “أتفهم شعورك بخيبة الأمل، فأنا أيضًا كنت سأشعر بالحزن لو كنت مكانك، خاصة وأنك كنت تتطلعين لهذه الترقية”. أومأت “ليلى” برأسها وهي تنظر إلى مكتبها بحزن. فقالت لها “سلمى”: “يبدو أن كلام المديرة قد آلمك حقًا، ومن حقك أن تشعري بهذا الشعور”. رفعت “ليلى” رأسها ونظرت إلى “سلمى” وقالت: “نعم، لقد جرحتني كلماتها، كنت أعتقد أنها معجبة بعملي”.
في هذا المثال، أظهرت “سلمى” التعاطف مع “ليلى” دون أن تسعى إلى تمكين سلوك سلبي. فلم تقل لها: “اذهبي إلى المنزل واستريحي وسأنهي أنا عملك” أو “سأقوم بمراجعة مشروعك وتصحيحه وسيكون جاهزًا خلال ساعات”. إن تمكين السلوك السلبي يؤدي إلى تكوين علاقة اعتمادية غير صحية، حيث يشعر الشخص الطرف الضعيف بعدم قدرته على حل مشاكله بنفسه. كما أن الشخص الذي يمكّن هذا السلوك سيشعر بالإرهاق بسبب تحمله مسؤولية غيره باستمرار.
2. دافع عن نفسك دون الدخول في معارك خاسرة:
من الهام التعبير عن مشاعرك في العلاقات، خاصةً إذا شعرت بسوء المعاملة. قد تكون مواجهة الشخص الآخر بهدوء ضرورية. ولكن إذا كان الشخص غير قادر على الفهم والاستجابة بشكل مناسب، فقد يكون من الهام تقبل ذلك والتفكير في كيفية الحصول على ما تحتاجه بطرق أخرى. إن ملاحقة الأمر بشكل عدواني قد يؤدي إلى نشوب صراع ينتهي بشكل سيء للجميع.
على سبيل المثال، لنفترض أن ”ريم” تتعرض لمعاملة غير عادلة من قبل مدربتها في الفريق الرياضي. قررت “ريم” التحدث مع مدربتها، لكنها تلقت العديد من الأعذار غير المقنعة حول سبب استبعادها من المنافسات رغم تميزها بمهارات عالية وعلاقات جيدة مع زميلاتها. ازدادت الأمور سوءًا بعد النقاش، وشعرت “ريم” بالإحباط الشديد. وبينما كانت تكتب بحثًا لجامعتها، اكتشفت أن مدربتها انتهكت العديد من قواعد اللعبة. فكرت ”ريم” في استخدام هذا الأمر كورقة ضغط للحصول على ما تريد.
بعد التفكير ليلة كاملة، قررت “ريم” أن استخدام هذا الاكتشاف كورقة ضغط هو أمر عدواني للغاية. كما أدركت أن ذلك سيؤدي إلى تصعيد الموقف ونشوب خلاف كبير. فقررت التصالح مع فكرة أنها لن تحصل على ما تريد في الوقت الحالي، وبدأت في البحث عن بدائل أخرى. قررت تكثيف تدريباتها الخاصة وتركيز جهودها على تحسين أدائها. وفي الأسبوع التالي، انسحبت اللاعبة المفضلة لدى المدربة وأسوأهم أداءً من الفريق. قامت المدربة بإشراك “ريم” مكانها، وفازت “ريم” بالمباراة الإقليمية.
في هذا المثال، دافعت “ريم” عن نفسها دون اللجوء إلى العدوانية أو محاولة إيذاء الآخرين. وبدلاً من مهاجمة مدربتها، ركزت على نفسها وتطوير مهاراتها. هذا الأسلوب الإيجابي أنقذها من الدخول في معركة مع مدربتها التي كانت ترغب في الحفاظ على علاقة جيدة معها حتى نهاية الموسم. شعرت “ريم” بالسعادة لأنها لم تقم بحرق الجسور مع مدربتها.
3. التفهم لا يعني التنازل عن مبادئك:
قد تجد نفسك في علاقة مع شخص يختلف معك بشكل كبير حول قضية ما. ورغم أنك تعتقد أنك على حق، إلا أنه من الهام أن تستمع إلى وجهة نظر الشخص الآخر وتحاول فهمها. كما يجب أن توصل له رسالة بأن رأيه مهم بالنسبة لك، حتى وإن اختلفتم. لكن هذا لا يعني التنازل عن مبادئك أو القيام بأشياء لا تريدها.
على سبيل المثال، “أحمد” و”خالد” صديقان مقربان. اعتادا على قضاء ليلة الجمعة في النادي الليلي المفضل لدى “خالد”. لكن “أحمد” يمر بضائقة مالية بسبب دراسته، لذلك يفضل العودة إلى المنزل بعد ساعة أو ساعتين لتوفير المال وتجنب القيادة تحت تأثير الكحول.
في إحدى السهرات، التقى “خالد” بفتاة أعجب بها وطلب من “أحمد” البقاء لفترة أطول لمساعدته في التقرب منها. قال “خالد” لـ”أحمد”: “ابقَ معي هذه المرة فقط، فالصديق الحقيقي يساعد صديقه في مثل هذه المواقف”. أراد “أحمد” مساندة صديقه، لكنه لم يرغب في البقاء لفترة أطول وتعريض نفسه لمخاطر القيادة تحت تأثير الكحول. عبّر “أحمد” عن تفهمه لموقف “خالد” ومشاعره، لكنه تمسك بموقفه ورفض البقاء.
قال “أحمد”: “أتفهم موقفك وأعلم أنك معجب بتلك الفتاة، ويسعدني أن أراك سعيدًا، لكنني لا أستطيع البقاء لفترة أطول. أنا آسف، لا أعتقد أنك بحاجة إلي على أي حال، أنت تستطيع فعلها بمفردك”.
في هذا المثال، حاول “أحمد” فهم وجهة نظر “خالد” وأعرب عن تقديره لمشاعره، لكنه في نفس الوقت تمسك بمبادئه ورفض التنازل عنها. شعر ”خالد” باحترام “أحمد” له لأنه أظهر تفهمًا لمشاعره حتى وإن لم يلبي طلبه.
إن استخدام مهارات الذكاء العاطفي يساعدك على الحفاظ على علاقات قوية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل. كما يحميك من الاستغلال والتلاعب. إن التعاطف مع الآخرين، والدفاع عن نفسك بطريقة ذكية عاطفيًا، ومحاولة فهم وجهات النظر المختلفة دون التنازل عن مبادئك هي مهارات أساسية تساعدك على الحفاظ على كرامتك وتحقيق التوازن في علاقاتك.