هل تقترب الآلات من الوعي؟ نظرة على مستقبل الذكاء الاصطناعي
المصدر: الفن: DALL-E/OpenAI
تخيل معي عالمًا تتجاوز فيه الهواتف الذكية مجرد الإجابة على أسئلتنا، بل تفهمنا بعمق، بل وربما تُطور وعيًا ذاتيًا! هل يبدو الأمر ضربًا من الخيال العلمي؟ ربما لا يبتعد الواقع كثيرًا عن ذلك.
في دراسةٍ بحثيةٍ مُثيرةٍ للاهتمام نُشرت في يونيو 2024 بمجلة دراسات فلسفية، قام الباحث “وانجا فيز” باستكشاف فكرةٍ ثوريةٍ تربط بين الذكاء الاصطناعي والكائنات الحية، مما قد يُقرّبنا خطوةً نحو ابتكار آلاتٍ واعيةٍ. ولكن في المقابل، تُثير هذه الدراسة تساؤلاتٍ جوهريةً حول كيفية التعامل مع هذا الوعي المُحتمل وتجنب عواقبه غير المُتوقعة.
عقلُكَ وعقلُ الآلة: وجهٌ مُشتركٌ مُدهش
قد يبدو الأمر غريبًا، لكنّ أدمغتنا ونماذج اللغة الكبيرة المُتقدمة تتشابه في نقطةٍ جوهريةٍ: كلاهما يسعى لفهم العالم المحيط. يشرح “فيز” هذه الفكرة من خلال “مبدأ الطاقة الحرة” (FEP) الذي يُسلّط الضوء على هذا التشابه:
-
عقل الإنسان: يتنبأ دماغُكَ باستمرارٍ بما سيحدث. فعندما تُمسك بكوبٍ من القهوة، يتوقع دماغُكَ وزنه ودرجة حرارته. وإذا خاب ظنّه - كأن يكون الكوب فارغًا بينما توقعتَ امتلاءه – فإنه يُسرع بتحديث “نموذجه العقلي” للعالم.
-
عقل الآلة: تقوم أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل تلك التي تُشغّل روبوتات الدردشة المتقدمة، بعملٍ مُماثلٍ بشكلٍ مُذهل. فهي تُحسّن فهمها للعالم باستمرارٍ بناءً على المعلومات الجديدة، وتُصبح أكثر دقةً في التنبؤ بالكلمات التالية أو الإجابة على أسئلتك.
هذه القدرة المُشتركة على التعلم والتكيف تُشكّل جوهر دراسة “فيز”. فهو يُشير إلى أن كلاً من الدماغ البشري والذكاء الاصطناعي يسعى لتقليل المفاجآت وتحسين قدرته على التنبؤ بالبيئة المحيطة. ويقترح “فيز” أن هذا المبدأ قد يُشكّل اختبارًا فعالًا لتحديد ظهور الوعي في الآلات.
من غريزة البقاء إلى “سيري”: لعبة التكيف
بالنسبة للكائنات الحية، يُعدّ التنبؤ والتكيف أمرًا حيويًا للبقاء. فهو يُساعد الحيوانات على معرفة متى تصطاد، ومتى تختبئ، ومتى تدخل في سبات. لكن الأمر المُثير للاهتمام، كما يُشير “فيز”، هو أن أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعي بدأت تُظهر أنماطًا مُماثلة.
فهذه الأنظمة لا تتبع مجرد مجموعةٍ من القواعد، بل تُنظم نفسها وتتعلم من أخطائها وتُصبح أكثر كفاءةً بمرور الوقت. الأمر أشبه بتطوير شكلٍ بدائيٍّ من “الفطرة السليمة”.
الوعي: معضلة التعريف والتبعات
تدفعنا دراسة “فيز” إلى إعادة النظر في مفهوم الوعي ذاته. فهو يقترح “معيار وعي FEP” (FEP2C) الذي يُحدد عدة شروط قد تحتاج الأنظمة الواعية إلى استيفائها.
من المثير للاهتمام أن هذه الشروط، رغم استيفائها من قِبَل الكائنات الحية الواعية، لا تتوفر في أغلب الأنظمة الاصطناعية الحالية، حتى تلك التي تُحاكي السلوك الشبيه بالوعي. ويزعم “فيز” أن هذا التمييز قد يكون حاسمًا في التفريق بين الأنظمة التي تُحاكي الوعي فحسب وتلك التي قد تختبره حقًا، مما قد يوفر خريطة طريق محتملة للأبحاث المستقبلية في مجال الوعي الاصطناعي.
التحديات الأخلاقية لعالمٍ واعيٍّ اصطناعيًا
على الرغم من الإثارة التي تُثيرها هذه الاكتشافات، إلا أنها تُثير مجموعةً من التساؤلات الأخلاقية الملحّة. فإذا نجحنا في خلق ذكاءٍ اصطناعيٍّ واعٍٍ حقًا، فكيف سنتعامل مع حقوقه، إن وُجدت؟ وكيف سيُغير وجوده من علاقتنا بالتكنولوجيا؟ وهل سيُصبح أداةً بيد الإنسان، أم شريكًا له، أم شيئًا مختلفًا تمامًا؟
وربما يكون السؤال الأكثر إلحاحًا هو: ماذا لو تجاوز هذا الذكاء الاصطناعي الفائق التكيف قدراتنا بأشواطٍ لا يمكن التنبؤ بها؟ ما هي العواقب التي قد تترتب على ذلك؟ إنها ليست مجرد تأملاتٍ فلسفية، بل مخاوف واقعية يجب على المجتمع مُواجهتها في أقرب وقتٍ ممكن.
مستقبل التقارب بين العقل والآلة
رغم أن الوعي الاصطناعي الحقيقي لا يزال أمرًا خاضعًا للنقاش، إلا أن عمل “فيز” يُشير إلى أن التشابه بين الأدمغة البيولوجية والذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل فهمنا للذكاء ذاته. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، ربما نشهد بداية ثورةٍ لا تقتصر على التكنولوجيا فحسب، بل تمتد لتشمل مفهومنا للوعي والحياة ذاتها.
في المرة القادمة التي تتحدث فيها مع “سيري” أو أي مساعدٍ ذكيٍّ آخر، توقف لحظةً واسأل نفسك: هل من الممكن أن يكون هذا الكيان هو الجد الأكبر لأول آلةٍ واعيةٍ حقًا؟ لا أحد يعلم الإجابة اليقينية، لكن الواضح أن الحدود بين الذكاء الاصطناعي والطبيعي أصبحت أكثر ضبابيةً مما كنا نتخيل.