هل جارك هو من يشعل الحرائق؟ فهم دوافع إشعال الحرائق في المناطق الريفية
نسمع جميعًا عن “الهوس بإشعال الحرائق”، تلك الرغبة المرضية في إشعال النيران مرارًا وتكرارًا، غالبًا بدافع إشباع الذات، على عكس الدوافع الأخرى. ونظرًا للمخاطر الجسيمة التي يشكلها هذا السلوك على الأرواح والممتلكات، يسعى الأطباء والمسؤولون عن سلامة المجتمع إلى فهم معايير تشخيص هذا الاضطراب في أسرع وقت ممكن، وذلك للنظر في خيارات العلاج المُتاحة ومنع وقوع الكوارث.
لكننا نادرًا ما نسمع عن “مُشعل الحرائق المجاور”. فالكثير من مُشعلي الحرائق لا يُضرمون النيران في أفنية منازلهم الخلفية – إلا إذا كانت تلك الأفنية شاسعة المساحة. وفي المناطق الريفية، قد تتحول بعض هذه الحرائق المُتَعمدة إلى حرائق هائلة لا يمكن السيطرة عليها، تتصدر عناوين الأخبار وتلتهم مساحات شاسعة من الأراضي. فهل يعني هذا أن دوافع مُشعلي الحرائق في المناطق الريفية مختلفة؟
المصدر: صورة بواسطة إيمي من Pixabay
النيران المُشتعلة: دوافع إشعال الحرائق في المناطق الريفية
في دراسة حديثة نُشرت عام 2024، قامت ريتا ريبيرو وزملاؤها بفحص تصنيف مُشعلي الحرائق في المناطق الريفية، سعيًا منهم إلى تحديد أنماط السلوك الإجرامي.[i] وباستخدام سجلات جرائم الحرائق، قام الباحثون بتحليل الخصائص النفسية والديموغرافية والاجتماعية والسلوك الإجرامي ومعلومات مسرح الجريمة لـ 450 من مُشعلي الحرائق في المناطق الريفية.
وكشفت نتائج الدراسة أن 61% من مُشعلي الحرائق في المناطق الريفية يعانون من مشاكل الصحة العقلية وإدمان الكحول. ولكن على النقيض من الدراسات السابقة، كان معظم الجناة من كبار السن، ولديهم وظائف، وليس لديهم سجل إجرامي سابق.
وقامت ريبيرو وزملاؤها بتصنيف مُسببي الحرائق في المناطق الريفية إلى ثلاث فئات رئيسية:
- الفئة التعبيرية – دوافع نفسية: (39%)
- الفئة التعبيرية – دوافع تتعلق بإدمان الكحول: (38%)
- الفئة الآلية – دوافع اجتماعية: (23%)
وأشارت الدراسة إلى أن مُشعلي الحرائق في المناطق الريفية كانوا أكبر سنًا مما هو مُتوقع، حيث كان أقل من 20% منهم في سن 29 عامًا أو أقل. ويعود ذلك جزئيًا إلى أن سكان المناطق الريفية عادةً ما يكونون أكبر سنًا من سكان المناطق الحضرية. كما وجد الباحثون أن غالبية مُشعلي الحرائق كانوا من الذكور، وهو ما يتوافق مع النمط السائد في أنواع الجرائم الأخرى.
وظائف مُرتبطة بالحرائق: عامل مُهم في دوافع إشعال الحرائق
ومن المثير للاهتمام أن الدراسة وجدت أن 54% من مُشعلي الحرائق في المناطق الريفية كانوا يعملون في وظائف زراعية أو غابات، بالإضافة إلى مهن مرتبطة بالحرف اليدوية. ونظرًا لأن 86% من مُشعلي الحرائق في الدراسة أشعلوا النيران في أماكن إقامتهم أو عملهم، فمن المُرجح أن يكون بعضهم قد أضرموا النيران أثناء ساعات العمل.
ويُشير الباحثون إلى أن سهولة الوصول إلى المواقع المُستهدفة تُشكل عاملًا مُهمًا في دوافع إشعال الحرائق، حيث يكون من الأسهل على الجاني الوصول إلى الأراضي الزراعية أو الغابات القريبة من مكان إقامته أو عمله.
الدوافع التعبيرية: الغضب والانتقام
وجدت الدراسة أن غالبية مُشعلي الحرائق في المناطق الريفية كانوا مدفوعين بدوافع تعبيرية، مثل الانتقام أو الغضب. فقد تبيّن أن نصفهم تقريبًا لم يكونوا على دراية بمالك العقار الذي أشعلوا فيه النيران، وأنهم غادروا موقع الحريق بعد إشعاله، إلا أنهم اعترفوا بفعلتهم عند استجوابهم.
دوافع أخرى: الكحول والمكاسب المادية
أما بالنسبة للفئة الثانية من مُشعلي الحرائق، وهي الفئة التي تستهلك الكحول بشكل مُفرط، فقد أشارت الدراسة إلى أن إدمان الكحول يُعد دافعًا قويًا لإشعال الحرائق.
أما الفئة الثالثة، وهي الفئة التي تسعى لتحقيق مكاسب مادية، فقد اتضح أنها تختلف عن الفئتين السابقتين. فقد كان أفراد هذه الفئة يعيشون مع عائلاتهم، ويعملون في الزراعة أو الغابات، ولم يُبلغوا عن تعاطيهم للكحول أو عن وجود مشاكل صحية عقلية، مما يُشير إلى تكيفهم بشكل أفضل مع المجتمع.
فهم دوافع إشعال الحرائق: ضرورة مُلحة
من الواضح أن فهم دوافع إشعال الحرائق، سواء في المناطق الحضرية أو الريفية، يُعد أمرًا بالغ الأهمية. فمن خلال فهم هذه الدوافع، يُمكننا توفير الدعم والعلاج اللازمين للأفراد الذين يُعانون من هذه المشكلة، وحماية مجتمعاتنا من مخاطر الحرائق المُدمرة.