نظرية التعلم في التعلق | دولارد وميلر
نظرية التعلّم والتعلّق: هل الحب مجرّد طعام؟
تُقدّم نظرية التعلّم منظورًا فريدًا لفهم التعلّق، مُشيرةً إلى أنّه سلوك مكتسب وليس غريزة فطرية. تُركّز هذه النظرية على دور تلبية الاحتياجات، وخاصةً الحاجة إلى الطعام، في بناء رابطة التعلّق بين الطفل ومُقدّم الرعاية.
تُسلّط هذه النظرية الضوء على نوعين رئيسيين من التعلّم: التكييف الكلاسيكي، حيث يربط الطفل بين مُقدّم الرعاية والشعور بالراحة والأمان، والتكييف الإجرائي، الذي يُفسّر سلوك الطفل المُوجّه نحو إزالة الشعور بالانزعاج وتحقيق الرضا.
التكييف الكلاسيكي: رابطة مبنيّة على الرضا
يُفسّر التكييف الكلاسيكي كيف يُمكن للطفل ربط مُثير مُعيّن، مثل وجود الأم، بشعور إيجابي مُحدّد، مثل الشعور بالشبع والراحة.
فعندما تُلبّي الأم احتياجات طفلها الجسدية، مثل إطعامه عند شعوره بالجوع، يبدأ الطفل بربط وجودها بتلك المشاعر الإيجابية.
مع مرور الوقت، يُصبح مُجرّد وجود الأم كافياً لإثارة شعور الطفل بالأمان والراحة، حتى في غياب الطعام.
دولارد وميلر: دمج التحليل النفسي مع السلوكية
قام كلّ من جون دولارد ونيل ميلر بتطوير نظرية التعلّم في التعلّق، مُستندين إلى أفكار فرويد وهال حول الدوافع، ومُدمجين بذلك بين التحليل النفسي والسلوكية.
تُؤكّد هذه النظرية على أنّ الطفل مُبرمج بيولوجياً للشعور بالدافع، وهو حالة من التوتّر الداخلي تدفعه للبحث عن إشباع احتياجاته.
فعندما يشعر الطفل بالجوع (الدافع)، يُحفّزه ذلك للبكاء أو البحث عن الطعام (السلوك). وعندما تُلبّي الأم هذه الحاجة، يُخفّف ذلك من توتره ويُشعره بالراحة (التعزيز).
وبالتالي، يربط الطفل بين الأم وتلبية احتياجاته وتخفيف شعوره بالانزعاج، مما يُؤدّي إلى تكوين رابطة التعلّق.
فرضية الدافع الثانوي: من الطعام إلى الحب
تُقدّم نظرية دولارد وميلر مفهوم “فرضية الدافع الثانوي”، حيث تُصبح الأم، التي كانت في البداية مُجرّد مُثير مُحايد، مُرتبطة بتلبية الاحتياجات الأساسية.
ومع تكرار هذه العملية، تُصبح الأم بمثابة ”مكافأة ثانوية” للطفل، حيث يُصبح وجودها مُجزياً بحدّ ذاته، حتى في غياب الطعام.
بين الانتقادات والتأييد: نظرة نقدية
بالرغم من أنّ نظرية التعلّم تُقدّم تفسيراً منطقياً لكيفية تكوين رابطة التعلّق، إلا أنّها واجهت بعض الانتقادات.
فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنّ الأطفال يُظهرون علامات التعلّق بأشخاص آخرين غير مُقدّمي الرعاية الأساسيين، حتى وإن لم يكونوا مسؤولين عن إطعامهم.
وعلى الرغم من هذه الانتقادات، تُعدّ نظرية التعلّم مُهمّة لفهم دور التفاعلات المُبكّرة في تشكيل العلاقات الاجتماعية للطفل.
فالتجارب الإيجابية المُبكّرة، مثل الاستجابة لحاجات الطفل وتوفير الرعاية والدفء، تُساهم في بناء شعوره بالأمان والثقة، مما يُشكّل أساساً صلباً لعلاقاته المستقبلية.
التعلق: هل هو مجرد مسألة طعام؟
بينما ينمو الطفل، تتشكل رابطة قوية بينه وبين من يعتني به. لطالما اعتقدنا أن هذه الرابطة، التي نسميها “التعلق”، تنشأ بشكل أساسي بسبب تلبية مقدم الرعاية لاحتياجات الطفل الأساسية، مثل الطعام. ولكن هل هذا كل ما في الأمر؟
تقدم نظرية التعلّم تفسيراً مثيراً للاهتمام لهذه الظاهرة.
نظرية التعلّم و تفسيرها للتعلق
تفترض نظرية التعلّم أن التعلق ينشأ من خلال عملية التكييف. بمعنى آخر، يربط الطفل، دون وعي، مقدم الرعاية بتلبية احتياجاته الأساسية، مثل الجوع والعطش.
فعندما يُرضع الطفل أو يُغير له حفاضه، يشعر بالراحة والرضا. ومع تكرار هذه التجربة، يبدأ الطفل في ربط هذا الشعور بالشخص الذي يعتني به.
التكييف الفعال وتشكيل الرابطة
يلعب التكييف الفعال دورًا هامًا في هذه العملية. فكلما استجاب مقدم الرعاية لاحتياجات الطفل بسرعة وحنان، زاد شعور الطفل بالراحة والأمان، مما يعزز الرابطة بينهما.
التقييم النقدي لنظرية التعلّم
على الرغم من أن نظرية التعلّم تقدم تفسيراً منطقياً لتكوين التعلق، إلا أن هناك بعض الانتقادات الموجهة لها.
أولاً: تشير بعض الدراسات، مثل دراسة “هارلو” على القرود، إلى أن الراحة والأمان قد يكونان أكثر أهمية من الطعام في تكوين التعلق.
ثانياً: لا تفسر نظرية التعلّم سبب وجود “فترة حرجة” لتكوين التعلق، وهي الفترة التي يكون فيها الطفل أكثر عرضة لتكوين روابط قوية مع مقدمي الرعاية.
ثالثاً: تُركز نظرية التعلّم بشكل كبير على دور مقدم الرعاية في تكوين التعلق، بينما تتجاهل العوامل الأخرى التي قد تؤثر على هذه العملية، مثل شخصية الطفل وبيئته.
أمثلة واقعية
على سبيل المثال، أظهرت دراسة حديثة أجريت في جامعة هارفارد أن الأطفال الذين يتلقون رعاية حساسة ومتسقة من مقدمي الرعاية يكونون أكثر عرضة لتكوين روابط آمنة وقوية، بغض النظر عن عدد المرات التي يتم فيها إطعامهم أو تغيير حفاضاتهم.
خلاصة
في الختام، بينما تقدم نظرية التعلّم تفسيراً هاماً لتكوين التعلق، إلا أنها ليست القصة الكاملة. فالعوامل الأخرى، مثل الراحة والأمان والتفاعل الإيجابي، تلعب دورًا هامًا في هذه العملية المعقدة.
نظرية التعلّم والتعلق: كيف يرتبط ميغيل بوالدته؟
ميغيل، طفل في عمر التسعة أشهر، يتمتع بعلاقة وطيدة مع والدته. لكن لماذا يظهر هذا التعلق القوي تجاهها دونًا عن والده؟ تقدّم لنا نظرية التعلّم إطارًا لفهم هذه العلاقة.
تفترض هذه النظرية أن التعلق سلوك مكتسب من خلال التكييف. لنأخذ التكييف الكلاسيكي كمثال، حيث يرتبط الطعام (المثير غير المشروط) بالشعور بالرضا (الاستجابة غير المشروطة). في حالة ميغيل، أصبحت والدته (التي كانت في البداية مثيرًا محايدًا) مرتبطة بالطعام من خلال الاقتران المتكرر، فتحولت إلى مُثير شرطي. وبالتالي، أصبح وجودها يثير شعورًا بالسعادة لدى ميغيل (الاستجابة الشرطية).
أما التكييف الإجرائي فيلعب دورًا أيضًا. فحين تُرضع الأم طفلها، يشعر بالشبع والراحة (تقليل الحافز السلبي). وهكذا، يصبح الطعام مُقويًا إيجابيًا. وبما أن الأم هي مصدر الطعام، تصبح هي الأخرى مُقويًا ثانويًا.
في المقابل، قد يكون غياب والد ميغيل المتكرر وعدم ارتباطه بتلبية احتياجاته الأساسية مثل الطعام، سببًا في عدم تكوين الطفل رابطة قوية معه.
من المهم الإشارة إلى أن نظرية التعلّم ليست التفسير الوحيد للتعلق. فهناك نظرية التعلق التي وضعها جون بولبي والتي تتضمن عناصر معرفية وتطورية.
باختصار، تقدم لنا نظرية التعلّم عدسة لفهم كيفية ارتباط ميغيل بوالدته من خلال ربطها بتلبية احتياجاته الأساسية والشعور بالرضا.