## رحلة ابنك ليست ككل الرحلات: فهم الاكتئاب بعد إصابات الدماغ
في لحظة خاطفة، انقلب عالمي رأسًا على عقب. ابني، ذلك الشاب المفعم بالحياة، تعرض لحادث سير مروع وهو في السابعة عشرة من عمره. صديقته، رفيقة أحلامه، رحلت أمام عينيه، تاركةً إياه يصارع إصابة دماغية خفيفة، لكنها عميقة التأثير. لم تكن الجروح الجسدية سوى غيض من فيض، فمع مرور الوقت، لاحظت تحولًا مُقلقًا في شخصيته. ابني المُقبل على الحياة، المُحاط بالأصدقاء، أصبح انطوائيًا، صامتًا، تطارده ظلال حزينة لم أعهدها من قبل.
بدا وكأن الحادث سرق منه فرحة الحياة. تراجعت درجاته الدراسية، وتحولت أحلامه الجامعية إلى مخاوف يُصارعها بصمت. في البداية، اعتقدت أن حزنه طبيعي، فقدان صديقته ومستقبلهما المشترك كفيل بإغراق أيٍّ كان في بحر من الحزن. لكن مع مرور الوقت، أدركت أن الأمر يتجاوز حدود الحزن الطبيعي، وأن شبح الاكتئاب يُخيم على حياته.
اكتئاب مختلف، جذوره في الدماغ
لم أكن مُدركةً آنذاك أن إصابات الدماغ، حتى الخفيفة منها، قد تُفضي إلى اضطرابات نفسية، من بينها الاكتئاب. تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 40% من الأشخاص الذين يتعرضون لإصابات الدماغ يُعانون من اضطرابات نفسية، أبرزها الاكتئاب، إلى جانب القلق، واضطرابات الهلع، وحتى إدمان الكحول.
تكمن صعوبة التشخيص في أن العديد من المصابين لا يربطون بين إصاباتهم الدماغية وأعراض الاكتئاب التي تُصيبهم. فقد يمرّ الوقت دون تشخيص حقيقي، مما يُعقد من حالة المُصاب ويُؤخر فرص العلاج. لذلك، يُعدّ التشخيص المُبكر لإصابات الدماغ أمرًا حيويًا، فهو يُتيح التدخل العلاجي في وقت مُبكر ويُقلل من خطر تطور اضطرابات نفسية لاحقًا.
قد يتشابه الاكتئاب المُرتبط بإصابات الدماغ مع الاكتئاب الناجم عن أسباب أخرى في بعض الأعراض، كالحزن، وفقدان المتعة، واضطرابات النوم والتركيز، لكنّه غالبًا ما يترافق مع القلق والسلوكيات العدوانية. هذا التمايز في الأعراض يُسلط الضوء على أهمية التشخيص الدقيق لتحديد العلاج الأنسب.
علاج مُختلف، يركز على الدماغ
إنّ التفريق بين الاكتئاب المُرتبط بإصابات الدماغ والاكتئاب الناجم عن أسباب أخرى ليس مجرد مسألة تصنيف، بل له تداعيات مهمة على خطة العلاج. فالعلاجات التقليدية للاكتئاب، كالأدوية المضادة للاكتئاب، قد لا تُجدي نفعًا مع العديد من المصابين باكتئاب بعد إصابات الدماغ.
في المقابل، تُظهر بعض التقنيات الحديثة، كتحفيز الدماغ المغناطيسي المُكرر عبر الجمجمة (rTMS)، نتائج واعدة في علاج هذا النوع من الاكتئاب، خاصةً في الحالات التي لا تستجيب للعلاجات التقليدية.
الوعي هو طريقنا للشفاء
اليوم، وبعد مرور حوالي عقدين من الزمن على حادث ابني، أستطيع القول إنّه يتعافى ببطء لكن بثبات. لا يزال يُعاني من نوبات اكتئاب وقلق، لكنّه تعلم كيف يُواجهها ويتعايش معها. لقد تطورت العلاجات بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وزاد فهمنا للاكتئاب المرتبط بإصابات الدماغ.
إنّ نشر الوعي حول هذا النوع من الاكتئاب، والتشخيص المُبكر، وتوفير العلاج المناسب، هي عوامل أساسية لمساعدة المصابين على استعادة حياتهم ومواجهة التحديات التي تُواجههم.