التحرر من قيود الكتمان: كيف تعبّر عن مشاعرك بصدق؟
هل سبق لك أن شعرت بالغضب والحنق لأنّ شريك حياتك نسي موعدًا هامًا للمرة الألف؟ ربما تحاول تجاهل الموقف في البداية، مُقنعًا نفسك أنّها ليست مشكلة كبيرة. لكن مع تكرار الأمر، ينفجر البركان بداخلك، وتُلقي على مسامعه كل ما كتمته طوال الوقت. أو ربما تختار طريقًا آخر، طريق الصمت، فتتراكم مشاعرك السلبية داخلك، وتُغذي استياءً ينمو بصمت حتى تجد نفسك تتساءل: لماذا لم أعد أشعر بالحب تجاهه؟
إنّ التعبير عن مشاعرنا ليس بالأمر السهل، خاصةً إذا مررنا بتجارب سابقة جعلتنا نعتقد أنّ ذلك خطرٌ يهدد علاقاتنا. غالبًا ما تنبع هذه التجارب من طفولتنا، من طريقة تعامل الأهل معنا، وقد تتكرر في علاقاتنا العاطفية لاحقًا. فإذا قوبلت مشاعرك بالسخرية أو التجاهل أو الغضب، فمن الطبيعي أن تتعلم كبتها.
تخيّل مثلاً هذه العبارات:
- “لا داعي للشعور بهذه الطريقة، انظر إلى الجانب المشرق!”
- “ها قد عدتَ إلى شكواكِ، لماذا لا يمكنكِ أن تكوني سعيدة كباقي الناس؟”
- “أنت شديد الحساسية!”
- “كفى بكاءً، وإلا سأعطيكَ سببًا حقيقيًا للبكاء!”
- “ماذا عني أنا؟ أنا أيضًا حزين!”
عندما تُقابل مشاعرك بمثل هذه الردود، يتعلم عقلك أنّ كبتها هو السبيل الوحيد للشعور بالأمان. فالتعبير عنها يعني الرفض والألم، مما يُفعّل نظام الإنذار في دماغك ويجعلك تتجنب ذلك بأي ثمن.
صحيح أنّك لا تستطيع تغيير الماضي، لكنك قادر على تغيير طريقة تعاملك مع مشاعرك اليوم. عندما تشعر بالضيق أو الغضب، حاول أن تُعبّر عن ذلك بطريقة صحية وواضحة. قد تشعر بالخجل في البداية، خاصةً إذا اعتدتَ على كبت مشاعرك، لكن تذكّر أنّ جميع المشاعر طبيعية ومُبرّرة.
إليك بعض الخطوات التي تساعدك على تنظيم مشاعرك والتعبير عنها بفعالية:
1. حدّد مشاعرك:
اسأل نفسك: “ما هو الشعور المسيطر عليّ الآن؟” إنّ تسمية المشاعر تُخفّف من حدّتها وتأثيرها السلبي (ليفي جيجي وشاماي تسوري، 2022). ابدأ بعبارات مثل: “أنا أشعر بالحزن” أو “أنا غاضب” أو ”أنا خائف”.
قد يجد البعض صعوبة في تحديد مشاعرهم، خاصةً إذا اعتادوا على كبتها لفترات طويلة. في هذه الحالة، قد يكون من المفيد طلب المساعدة من مُختص نفسي لمساعدتك على فهم مشاعرك والتعبير عنها بشكل صحي.
2. تقبّل مشاعرك:
تذكّر أنّ مشاعرك نابعة من تجاربك الشخصية وظروفك الحالية، وهي مُبرّرة تمامًا. لا تُحاول إنكارها أو تجاهلها، بل تقبّلها كجزء من كيانك.
على سبيل المثال، يمكنك أن تقول لنفسك: “من الطبيعي أن أشعر بالغضب لأنّ شريكي نسي موعدنا، فأنا أقدّر الوقت الذي نقضيه معًا، وهذا يُشعرني بالأهمية”.
3. افهم رسالة مشاعرك:
تخيّل أنّ مشاعرك تتحدث إليك، ماذا ستقول؟ على الأرجح سيخبرك الحزن أنّك فقدت شيئًا عزيزًا عليك، وأنّك بحاجة للحزن عليه. سيخبرك الغضب أنّ حدودك قد تم تجاوزها، وأنّك بحاجة للدفاع عنها. سيخبرك الخوف أنّ هناك خطرًا مُحتمل، وأنّك بحاجة للحذر.
على سبيل المثال: “إنّ انزعاجي من نسيان شريكي موعدنا يعني أنّني أحتاج للشعور بالأهمية، وأنّ وقتنا معًا ذو قيمة”.
4. عبّر عن مشاعرك بوضوح ولطف:
بعد أن حدّدت مشاعرك وتقبّلتها وفهمت رسالتها، حان الوقت للتعبير عنها للشخص الآخر بطريقة هادئة وبنّاءة.
على سبيل المثال: “أعلم أنّك مشغول، لكنّني شعرت بالإحباط عندما نسيت موعدنا. يُسعدني لو نُخطط لوقت آخر معًا ونحرص على الالتزام به”.
في بعض الأحيان، قد يكون التعبير عن مشاعرك لنفسك هو الحل الأمثل، خاصةً إذا لم تكن مستعدًا للتحدث مع الآخرين. تذكّر أنّ منح نفسك التعاطف والتفهم هو خطوة هامة نحو بناء علاقات صحية وسعيدة.