أخبار علم النفس

كيف نخلق مشاعر الوحدة في الحياة والعمل والسياسة

كيف نبني جسور الوحدة في عالمٍ مُتَفَرّق؟

دفعتني دعوة الرئيس بايدن إلى الوحدة بعد أحداث اقتحام الكونغرس إلى التفكير العميق. كيف لنا أن نبني‌ جسورًا من الوحدة في عالمٍ مُتَفَرّق، ونُضيّق الهوة بيننا؟ ‍كيف نُخفّض منسوب الاحتقان ونُقلّص من ‍حدة الاستقطاب والصراع؟

وجدت الإجابة تكمن في مبدأٍ ‍فريدٍ ⁤من مبادئ الإقناع، وهو ⁣مبدأ “الوحدة” الذي ‌يتحدث‌ عنه روبرت سيالديني‍ (٢٠١٦، ⁤٢٠٢١). ‌يشير ‍سيالديني إلى أن هذا المبدأ يُساعد الناس على الشعور بأن الآخرين “واحدٌ​ منهم”، وأنهم جميعًا جزءٌ ⁣من “نحن” واحدة. وهذا الشعور بالانتماء يُعزز​ من التعامل الإيجابي، أليس كذلك؟

يوضح سيالديني كيف يمكن خلق الوحدة من ⁣خلال “التواجد معًا” و “العمل ⁤معًا”، ‌ كما يُسلّط الضوء على التداخل بين مبدأ الوحدة ومبدأي الإعجاب والمعاملة بالمثل. ‍فلنستكشف‌ كيف نُطبّق ⁤هذه المبادئ لبناء عالم أفضل.

التواجد‌ معًا وبناء⁣ جسور⁣ المحبة

يُؤكّد​ سيالديني‌ (٢٠١٦، ٢٠٢١) على أن الرابط الجيني يُعدّ مصدرًا أساسيًا للوحدة. فنحن⁣ ننجذب بسهولة لمن يُشبهوننا ويُشاركوننا⁢ نفس الآراء ⁣المُتأثّرة‌ بالجينات (مثل الانتماءات​ السياسية). ​⁤ لكن، تُشكّل مشاركة أشياء أخرى مثل مسقط الرأس أو الوطن، أو ⁣حتى حقيقة أننا جميعًا جزءٌ‌ من‌ العائلة البشرية، مصدرًا للوحدة أيضًا.

لكن، إذا كنا جميعًا عائلةً واحدةً نتشارك هذا الكوكب، فلماذا⁤ كل هذا ⁤التفرّق؟ للأسف، قد ‍يكون ‍خلق الوحدة ‌داخل مجموعةٍ مُحدّدة أسهل‌ من خلال تسليط الضوء على العداء تجاه مجموعةٍ‌ أخرى. فعندما يكون هناك​ تفاوتٌ⁤ في القوة (كما هو ⁤الحال بين السياسيين والناخبين)، قد يُصبح ⁣تشويه سمعة⁢ الخصوم أداةً سهلةً لتوحيد المؤيدين.⁢ يُقلّل هذا ‍من⁢ الشعور⁣ بالاختلاف داخل المجموعة الواحدة، لكنّه يُضعف من⁢ الوحدة الأوسع للوطن والعالم.

يكمن​ الحلّ الأمثل في إبراز أوجه التشابه بيننا. فنحن جميعًا نتشارك في مجتمعاتٍ ودولٍ وعالمٍ واحد. ونتشارك​ جميعًا الرغبات الإنسانية الأساسية وصراعات الحياة.⁤ كلّ من يُدرك هذا ويُساعد الآخرين هو شخصٌ يستحق الاحترام وهو “واحدٌ ‌منّا”. لذا، بدلاً من التقليل⁤ من شأن الآخرين، ركّز على التواصل معهم ​بطرق إيجابية تُبرز ‌أوجه التشابه والتوافق.

العمل المشترك ⁣والمعاملة بالمثل: طريقٌ للوحدة

يشرح سيالديني (٢٠١٦، ٢٠٢١) كيف‌ يُمكن أن يخلق العمل المشترك في بيئةٍ من التعاون والمحاكاة والتبادل شعورًا بالوحدة. فالأشخاص الذين يتعاونون ‌معًا من ‍أجل الصالح العام، أو حتى ⁢يحتفلون معًا، يصبحون أكثر اتحادًا. فالعطاء والأخذ في الحياة اليومية، بمرور ⁣الوقت، يُقرّبنا من ‌بعضنا البعض.

لكن، قد تفشل هذه المعادلة أحيانًا. فنهج “العين بالعين” قد ⁤يُؤدّي إلى دوامةٍ من العنف والانتقام، فنعلّق في‍ حالةٍ من ⁣عدم ‍الاستقرار.‍ يُمكن ‍أن نرى هذا السيناريو ​في صراعاتٍ ​كبيرةٍ وصغيرةٍ حول العالم. لكن، جعل⁤ حياة شخصٍ آخر أسوأ لن يجعل حياتنا أفضل.

يكمن الحلّ في تبنّي نهجٍ ⁢إيجابيّ للمعاملة بالمثل والتعاون. فماذا يُمكننا أن نقدّمه لبعضنا ‍البعض، ‌ولمجتمعاتنا،‍ ولوطننا، ‍وللعالم أجمع؟ أين يُمكننا أن ⁣نُعطي ونُشارك، لنبدأ⁤ دوراتٍ إيجابيةً من⁣ العطاء والأخذ؟ ابحث​ عن شيءٍ يُمكنك مقايضته يعود بالنفع على‌ الجميع. ابحث ⁣عن سيناريوهاتٍ تُحقّق ‍الربح‍ للجميع وابنِها معًا.

بعد بناء الوحدة: طريقٌ للتغيير الإيجابي

في ظلّ الوحدة،‍ يُصبح‌ الناس⁣ أكثر هدوءًا وقدرةً على التفكير ‍بوضوح. ​ يُمكنهم عندها الانتقال من أسلوب ⁣اتخاذ القرار​ العاطفي إلى طريقةٍ ‍أكثر عقلانيةً تعتمد على الحقائق. وهذا يتطلّب نهجًا جديدًا للإقناع والتأثير.

يحتاج⁣ الشخص أو المجموعة المتماسكة والهادئة ‍إلى التعليم والمعلومات والحقائق. وهذا ⁣ما يُعرف ​بالإقناع المركزي، وهو أكثر صعوبةً ويتطلّب حقائق ومعلوماتٍ واضحة. لكنّه يخلق ​تغييراتٍ طويلة ​الأمد. قليلٌ من الجهد الإضافي في البداية يُمكن أن ‌يخلق علاقاتٍ إيجابيةً مبنيةً على الثقة، دون الحاجة إلى صيانةٍ دائمةٍ وتحفيزٍ ومراقبة.

باختصار، ⁤يُساعدنا هذا النهج التعاوني⁣ على تخفيف​ التوتر، والحدّ ‍من الصراعات، والتركيز على القضايا المهمة في ​الحياة. ⁢ بدلاً‍ من الصراع مع الأعداء،‍ نتّحد معًا كعائلةٍ ⁢واحدةٍ للنقاش وإيجاد⁤ حلولٍ مشتركةٍ للمُضي قدمًا.​ آمل أن ‍نستفيد جميعًا من هذا النهج لبناء علاقاتٍ ‍أقوى في‍ حياتنا الخاصة، ولوضعِ حجر الأساس لوحدةٍ أكبر‌ في مجتمعاتنا ووطننا والعالم أجمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock