أخبار علم النفس

سد الفجوة: معالجة الاغتراب السياسي

الاغتراب السياسي: عندما يشعر المواطن بالغربة ‌عن ​وطنه

هل سبق وشعرتَ بِغُربةٍ ⁤وأنتَ في وطنك؟ كأنّكَ غريبٌ عن ⁤كلّ ما يدور حولك من أحداث سياسية وقراراتٍ​ حكومية؟ هذا الشعور، يا صديقي، يُطلَق عليه “الاغتراب السياسي”.

إنّه⁣ شعورٌ مُرهِقٌ يُفقِدُ المرءَ إحساسَهُ ‍بالانتماء، ويُحوّلهُ إلى مُجرّد مُراقِبٍ سلبيٍّ لما يحدث حوله. فبدلاً من أن يكونَ عنصراً فاعلاً في صناعةِ القرار، يُصبِحُ عاجزاً عن التأثير أو حتى المُشاركة.

**أوجه الاغتراب السياسي: أربعةُ جدرانٍ ⁢تحجبُ الرؤية**

يتجلّى الاغتراب السياسي في أربعةِ أوجهٍ رئيسيةٍ تُشكّلُ جدراناً عاليةً تحجبُ الرؤيةَ بينَ المواطن والنظام‌ السياسي:

  1. العجز السياسي: ‌ يشعرُ المواطنُ أنّ صوتهُ ضائعٌ في زحامِ الأحداث، وأنّ تصرّفاتهُ ⁢الفرديةَ لن تُغيّرَ من الواقع شيئاً.
  2. عدم المعنى السياسي: تُصبِحُ السياسةُ في نظرِهِ غابةً مُظلمةً من المصطلحاتِ المُعقّدةِ والإجراءاتِ البيروقراطيةِ التي لا يفهمها ولا يرى علاقتها بحياتهِ اليومية.
  3. انعدام المعايير ⁤السياسية: يفقدُ المواطنُ ثقتهُ في‌ نزاهةِ النظام السياسي وعدالته، ويُصبِحُ مُقتنعاً بأنّ المحسوبيةَ والفسادَ هما ⁣سيدا الموقف.
  4. العزلة السياسية: ‌ يشعرُ المواطنُ بالعزلةِ التامةِ عن مجتمعهِ السياسي، ويُدرِكُ ​أنّ قراراتهُ تُتّخذُ في غُرَفٍ مُغلقةٍ بعيدةً كلّ البعدِ‌ عن إرادتهِ أو حتى معرفته.

**أسباب الاغتراب السياسي: جذورٌ مُتشعّبةٌ في أرض ⁢الواقع**

تختلفُ أسبابُ​ الاغتراب السياسي ​من مجتمعٍ لآخر، ⁣إلا أنّ هناك بعضَ العواملِ المُشتركةِ التي تُساهمُ في تفاقُمِ هذهِ الظاهرةِ، نذكرُ منها:

  • ضعفُ الأنظمة الديمقراطية: فقدانُ الثقةِ في نزاهةِ الانتخابات، وغيابُ⁣ التمثيلِ العادلِ لكافةِ فئاتِ⁤ المجتمع، وانتشارُ الفسادِ السياسي، كلّها عواملُ ⁤تُؤدّي إلى نفورِ المواطنين‍ من المشاركةِ السياسية.
  • الأنظمة الشمولية: تُقصي الأنظمةُ الشموليةُ​ المواطنينَ من المشاركةِ‌ في صناعةِ القرار، وتُحكِمُ قبضتها على كافّةِ مفاصلِ الدولة، مما يُولّدُ لديهم شعوراً ‍بالعجزِ والإحباط.
  • التفاوتُ الاقتصاديّ والاجتماعيّ: ⁣ يُؤدّي ‌اتّساعُ الفجوةِ بينَ الأغنياءِ والفقراءِ إلى شعورِ فئةٍ كبيرةٍ من‍ المواطنين بالظلمِ والتهميش، وبالتالي فقدانِ⁢ الأملِ في إمكانيةِ تحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ من خلالِ النظام السياسي القائم.
  • وسائل الإعلام: ⁣تلعبُ وسائلُ الإعلامِ دوراً مُهماً في تشكيلِ‌ الرأيِ العام، ‍ونشرِ‌ الوعيِ السياسي، إلا أنّها قد ​تُساهمُ ‍في بعضِ الأحيان⁤ في تضخيمِ⁣ السلبيات، ونشرِ خطابِ الكراهيةِ والتحريض، مما ⁢يُؤدّي ‌إلى زيادةِ⁢ حالةِ الاحتقانِ السياسي، وتعميقِ الشعورِ بالاغتراب.

**علاج الاغتراب السياسي: بناءُ جسورِ الثقةِ والمشاركة**

لا يُمكنُ القضاءُ على ظاهرةِ ⁤الاغترابِ السياسيِّ بينَ عشيّةٍ وضحاها، إلا أنّ هناكَ العديدَ من الخطواتِ التي ⁤يُمكنُ اتّخاذها للتخفيفِ من حدّتها، ‍ منها:

  • تعزيزُ ‌المشاركةِ السياسية: من خلالِ تفعيلِ دورِ الأحزابِ ‌السياسية، والمُنظماتِ​ غيرِ⁢ الحكومية، وتشجيعِ المواطنينَ على المشاركةِ في الانتخابات، والتعبيرِ عن آرائهم بحرّية.
  • مكافحةُ الفساد: من خلالِ ⁢تفعيلِ دورِ أجهزةِ الرقابةِ والمساءلة، ‌وتطبيقِ القانونِ ‍على الجميع بِغضّ النظرِ عن مراكزهم أو انتماءاتهم.
  • تحقيقُ العدالةِ الاجتماعية: من خلالِ العملِ على تقليصِ الفوارقِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ بينَ فئاتِ المجتمع، وتوفيرِ فرصٍ مُتكافئةٍ للجميع.
  • دورُ وسائل الإعلام: ⁤ يجبُ على وسائلِ ​الإعلامِ أن تتحلّى بالمسؤوليةِ في نقلِ⁤ الأخبار،‌ والابتعادِ عن نشرِ​ الأخبارِ الكاذبةِ أو المُضلّلة، والعملِ على‌ نشرِ ثقافةِ ⁤الحوارِ والتسامح.

إنّ مُعالجةَ ظاهرةِ الاغترابِ السياسيّ تتطلّبُ تضافرَ جهودِ ⁣كافّةِ أطرافِ المُعادلةِ السياسيةِ، بدءاً منَ الحكومةِ، مروراً بالأحزابِ السياسيةِ والمُنظماتِ غيرِ الحكوميةِ، وصولاً إلى⁤ المواطنِ نفسه. فلنعملْ ⁤جميعاً من أجلِ بناءِ مجتمعٍ ديمقراطيّ ٍ حقيقيّ ٍ،‍ يسودُهُ العدلُ والمساواةُ والمشاركةُ الفعلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock