هل تُعيق وسائل التواصل الاجتماعي عقول المراهقين؟
المصدر: صورة جان فاشيك من بيكساباي (2024)
في ربيع عام 2023، أصدر الجراح العام للولايات المتحدة تحذيراً مُقلقاً: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يُلحق الضرر بالصحة العقلية للشباب. فهل حقاً تُؤثّر هذه التكنولوجيا على عقول أطفالنا؟
يشير تقرير الجراح العام إلى أن الاستخدام المُفرط لوسائل التواصل الاجتماعي من قِبل المراهقين يُغيّر أدمغتهم النامية، مما يؤثر سلباً على وظائف حيوية مثل الانتباه، والتحكم في الانفعالات، وتقدير الذات، والتعلم العاطفي، وتنظيم الحالة المزاجية.
لا شك أن لوسائل التواصل الاجتماعي فوائدها، فهي تُتيح للشباب التواصل، وبناء الهوية، والوصول إلى المعلومات. لكن الإفراط في استخدامها يُمكن أن يُصبح سلاحاً ذا حدين، يُؤدي إلى مشاكل مثل إدمان الإنترنت، واضطرابات النوم، وزيادة التوتر والقلق.
وتُسلط مؤسسة آن إي كيسي الضوء على الدوافع الرئيسية وراء انجذاب المراهقين لهذه المنصات، ومنها:
- الرغبة في التواصل مع الأصدقاء والزملاء.
- الخوف من فوات الأحداث الشيقة (FOMO).
- الضغوط الاجتماعية للتواجد الدائم على هذه المنصات.
- الهروب من الملل أو التوتر أو القلق.
ونتيجة لهذه الدوافع، أصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياة معظم المراهقين، حيث أفاد حوالي 95% من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 17 عاماً أنهم يستخدمونها يومياً. ورغم محاولات العديد من المنصات للحد من استخدامها لمن هم دون سن 13 عامًا، إلا أن الدراسات تُشير إلى أن ما يقرب من 40% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 12 عامًا يستخدمونها بالفعل.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن الأطفال الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من 3 ساعات يوميًا يُواجهون خطرًا متزايدًا للإصابة بمشاكل الصحة العقلية. (1)
لكن ما الذي يجعل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خطيراً على صحة الأطفال والمراهقين؟
تُشير الأبحاث إلى أن زيادة وقت استخدام الشاشات الرقمية يرتبط بمشاكل عديدة، من اضطرابات النوم إلى زيادة التوتر، ومن تشوهات صورة الجسد إلى ضعف تنظيم الحالة المزاجية. (2)
تداعيات الواقع الافتراضي على العقول النامية
قد يكمن التفسير في طبيعة أدمغة الشباب، فقد أظهرت أبحاث علم الأعصاب أن هذه الأدمغة تنمو بشكل أفضل عند التعرض لبيئات العالم الحقيقي، فالواقع الافتراضي ليس بديلاً عن الواقع الحقيقي.
ففي دراسة أجراها دونالد هيب عام 1949، قارن بين مجموعتين من الحيوانات: مجموعة نشأت في “بيئات غنية” مليئة بالألعاب والتفاعلات الاجتماعية، ومجموعة أخرى نشأت في “بيئات فقيرة” خالية من أي تحفيز. وكانت النتيجة أن الحيوانات التي نشأت في بيئات غنية طورت أدمغة أكبر وأكثر تعقيداً. (3)
قد يتساءل البعض: ألا يُعدّ تصفح الإنترنت والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي شكلاً غنياً ومعقداً من أشكال التحفيز؟
للأسف، الإجابة هي لا.
يُشير الخبراء إلى أن استخدام الشاشات الرقمية وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي يُمثّل شكلاً سلبياً و “فقيراً” من أشكال التحفيز الاجتماعي، مقارنة بالتواصل الاجتماعي في العالم الحقيقي.
فعندما يُفرط الأطفال في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية، فإنهم يحرمون أدمغتهم من التجارب الحسية والحركية والتفاعلات الاجتماعية الغنية التي تُحفز نموها الطبيعي. (4)
الضوء الأزرق وتأثيره على النوم
هناك تأثير سلبي آخر لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يتمثل في الضوء الأزرق الذي ينبعث من الشاشات الرقمية.
يُؤثر هذا الضوء على إفراز هرمون الميلاتونين، الذي يُنظم دورة النوم والاستيقاظ.
فعندما يتعرض الشخص للضوء الأزرق في المساء، فإن ذلك يُعيق إفراز الميلاتونين، مما يُؤدي إلى صعوبة الخلود إلى النوم و اضطرابات في نمط النوم.
ونظراً للعلاقة الوثيقة بين النوم الكافي والصحة العقلية، فإن التعرض المُفرط للضوء الأزرق يُمكن أن يُؤثر سلباً على صحة المراهقين النفسية. (5)
نصائح للآباء والمراهقين
مع تزايد شعبية وسائل التواصل الاجتماعي، تزداد الحاجة إلى إجراء المزيد من البحوث لفهم تأثيرها على أدمغة المراهقين وصحتهم العقلية.
وفي هذه الأثناء، يُمكن للآباء والمراهقين اتخاذ بعض الخطوات للحد من التأثيرات السلبية لهذه الوسائل، منها:
- مُراقبة وقت استخدام الشاشات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
- تحديد أوقات للانفصال عن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
- تشجيع الأطفال على ممارسة الأنشطة في العالم الحقيقي، مثل اللعب في الهواء الطلق وممارسة الرياضة والتفاعل مع الأصدقاء وجهاً لوجه.
تُوصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال والمراهقين باتباع إرشادات وقت الشاشة للحد من التعرض للشاشات الرقمية.
فلنحرص على أن تُصبح وسائل التواصل الاجتماعي أداة مفيدة للشباب، لا أن تُصبح عائقاً أمام نموهم وتطورهم.