هل تستطيع الحيوانات السفر عبر الزمن؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة – لطالما أسرتنا فكرة السفر عبر الزمن، تلك القدرة الخارقة على التنقل بين الماضي والمستقبل. لكن هل فكرت يومًا أن بعض الكائنات الحية من حولنا قد تمتلك بالفعل هذه القدرة؟ قد تبدو الفكرة أقرب للخيال العلمي، لكن بعض الدراسات الحديثة تُشير إلى أن بعض الحيوانات، وخاصةً الطيور، قد تمتلك آليات تُمكنها من “السفر عبر الزمن العقلي”.
في دراسة نُشرت عام 2021 في مجلة ”بلوس ون” بعنوان ”هل تستطيع الحيوانات السفر عبر الزمن؟”، قام فريق من الباحثين بدراسة سلوك طيور الغراب. ووجدوا أن هذه الطيور قادرة على تذكر أحداث سابقة بالتفصيل، بل وتحديد متى وقعت هذه الأحداث بدقة تصل إلى 15 دقيقة. يشير هذا إلى أن الغربان تمتلك نوعًا من “الذاكرة العرضية”، وهي القدرة على تذكر أحداث الماضي بتسلسلها الزمني، وهي قدرة كان يُعتقد سابقًا أنها حكرًا على الإنسان.
ولفهم هذه الظاهرة بشكل أعمق، أجرى الباحثون تجارب على أنواع أخرى من الطيور، مثل طيور القيق الأوراسي. ووجدوا أن هذه الطيور قادرة أيضًا على تذكر أحداث سابقة وتحديد وقت حدوثها بدقة. يشير هذا إلى أن “السفر عبر الزمن العقلي” قد يكون قدرة منتشرة بين أنواع مختلفة من الطيور.
لكن كيف تتمكن هذه الطيور من القيام بذلك؟ يعتقد الباحثون أن قدرة الطيور على تذكر أحداث الماضي بدقة مرتبطة بقدرتها على التخطيط للمستقبل. فقد أظهرت دراسات سابقة أن بعض أنواع الطيور، مثل الغربان، قادرة على إخفاء الطعام واسترجاعه لاحقًا، بل وتخطيط أفضل أماكن الإخفاء لتجنب سرقة الطعام من قبل الطيور الأخرى. هذه القدرة على التخطيط للمستقبل تتطلب بالضرورة القدرة على تذكر أحداث الماضي بدقة.
وبالإضافة إلى الطيور، أظهرت بعض الدراسات أن بعض أنواع الرئيسيات، مثل الشمبانزي، تمتلك أيضًا قدرات متقدمة على تذكر الأحداث الماضية. ففي دراسة نُشرت عام 1998 في مجلة “نيتشر”، وجد الباحثون أن الشمبانزي قادرة على تذكر أحداث معقدة وقعت قبل سنوات، بل واستخدام هذه الذكريات لحل المشكلات واتخاذ القرارات.
لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عن “السفر عبر الزمن العقلي” لدى الحيوانات. لكن هذه الاكتشافات تُشير إلى أن قدرات بعض الحيوانات على الإدراك والذاكرة قد تكون أكثر تعقيدًا مما كنا نعتقد سابقًا. فربما تحمل هذه الكائنات بين طيات أدمغتها أسرارًا مذهلة عن طبيعة الزمن والذاكرة.
## كيف تُحَسِّن ذاكرتك: أسرارٌ مُدهشةٌ لعقلٍ أكثرَ قوّةً
هل تُعاني من نسيان المواعيد أو ضياع المفاتيح؟ لا تقلق، فذاكرتك كالعضلة تحتاج إلى تمرينٍ مُستمرٍّ لتعمل بكفاءة. سنتعرف في هذا المقال على أسرارٍ مُذهلةٍ تُساعدك في تحسين ذاكرتك وتعزيز قوّة عقلك.
“يعتقد الكثيرون أن ضعف الذاكرة أمرٌ حتميٌّ مع التقدم في العمر، لكن هذا غير صحيح” يقول الدكتور محمد، أخصائي علم النفس العصبي. “فالعقل البشريّ قادرٌ على التطور والتكيّف باستمرارٍ، ويمكن تحسين الذاكرة في أيّ عمرٍ باستخدام استراتيجياتٍ مُحددةٍ”.
يُشددّ الدكتور محمد على أهمية اتباع نمط حياةٍ صحيٍّ لتحسين الذاكرة، ويُوصي بممارسة الرياضة بانتظامٍ، وتناول طعامٍ صحيٍّ غنيٍّ بالخضروات والفواكه، والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.
يُعدّ التوتر والقلق من ألدّ أعداء الذاكرة، فقد أثبتت الدراسات أن التوتر يُضعف قدرة الدماغ على تكوين الذكريات واسترجاعها.
“يُمكن القول بأنّ التوتر يُشكّل ضبابًا كثيفًا يُحيط بالدماغ، مما يُصعّب عليه أداء وظائفه بكفاءة، بما في ذلك الذاكرة” يُوضّح الدكتور محمد. ”لذا، من الضروريّ إيجاد طرقٍ فعّالةٍ للتعامل مع التوتر مثل ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل”.
إحدى أهمّ الاستراتيجيات الفعّالة لتحسين الذاكرة هي “التعلّم النشط”. فبدلًا من مجرد قراءة المعلومات بشكلٍ سلبيٍّ، يُنصح بتدوين الملاحظات، وطرح الأسئلة، ومناقشة المعلومات مع الآخرين. يُساعد التعلّم النشط على ترسيخ المعلومات في الذاكرة طويلة المدى بشكلٍ أفضل.
وللتعلّم النشط أساليبٌ مُتعددةٌ، منها ربط المعلومات بصورٍ أو قصصٍ لتسهيل تذكرها. فمثلًا، بدلًا من محاولة حفظ قائمةٍ طويلةٍ من المشتريات، حاول تخيّل نفسك تسير في أرجاء المتجر وتضع كلّ صنفٍ في سلّة التسوق. يُساعد هذا التخيّل على ربط المعلومات بمشهدٍ بصريٍّ، مما يُسهّل تذكرها لاحقًا.
ويُؤكّد الدكتور محمد على أهمية منح الدماغ وقتًا كافيًا لمعالجة المعلومات وتخزينها. “لا تتوقع من نفسك حفظ كمّ هائلٍ من المعلومات دفعةً واحدةً. قسّم المعلومات إلى أجزاءٍ صغيرةٍ، وامنح نفسك فتراتٍ منتظمةً من الراحة للسماح للدماغ بمعالجة المعلومات وتخزينها بشكلٍ فعّالٍ”. (وتُشير الدراسات إلى أنّ أفضل فترات الراحة تتراوح بين 10-15 دقيقة بعد كلّ 45-60 دقيقة من الدراسة). فمثلًا، بدلًا من مُذاكرة كتابٍ كاملٍ في جلسةٍ واحدةٍ، قسّمه إلى فصولٍ وامنح نفسك استراحةً قصيرةً بعد كلّ فصلٍ لترسيخ المعلومات في ذهنك.
ويُشدّد الدكتور محمد على أنّ تحسين الذاكرة رحلةٌ مُستمرةٌ تتطلّب الصبر والمثابرة. “لا تتوقع نتائجًا سحريةً بين ليلةٍ وضحاها. التزم بتطبيق هذه الاستراتيجيات بانتظامٍ، وستلاحظ تحسنًا ملحوظًا في قدرتك على التذكّر والتركيز”.
ذاكرة طيور الجاي: هل تتذكر أكثر مما نظن؟
لطالما أذهلتنا الحيوانات بقدراتها الإدراكية، ولكن هل تمتلك بعض الأنواع ذاكرة قوية تُمكنها من تذكر أحداث الماضي بتفاصيلها الدقيقة؟ كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “Current Biology” عن امتلاك طيور الجاي الأوراسي نوعًا من الذاكرة العرضية، وهي القدرة على تذكر تجارب الماضي وما حدث فيها، وهو نوع من الذاكرة كان يُعتقد سابقًا أنه مقتصر على البشر.
أجرى الباحثون سلسلة من التجارب على طيور الجاي الأوراسي، حيث قاموا بتدريبها على إخفاء الطعام في أكواب ذات زخارف مختلفة. وبعد مرور فترة زمنية، تم إعطاء الطيور فرصة للعثور على الطعام المخفي. وجد الباحثون أن الطيور كانت أكثر قدرة على تذكر مكان الطعام عندما طُلب منها تذكر تفاصيل إضافية عن التجربة، مثل نوع الطعام الذي قامت بإخفائه أو الكأس الذي اختارته.
يقول الدكتور جوناثان كريستال، أستاذ العلوم النفسية وعلوم الدماغ في جامعة إنديانا بلومنجتون: “تقدم هذه الدراسة أدلة قوية على الذاكرة العرضية لدى طيور الجاي الأوراسي”. ويضيف: “إذا تمكنت من الإجابة على سؤال غير متوقع بعد الترميز العرضي، فإن هذا يصبح حجة قوية على أنه يمكنك تذكر الحلقة السابقة في الوقت المناسب، وهو ما يشكل جوهر توثيق الذاكرة العرضية”.
تكمن أهمية هذه الدراسة في إمكانية تطبيق نتائجها على أبحاث الذاكرة البشرية، خاصة فيما يتعلق بمرض الزهايمر. يقول كريستال: ”إن مرض الذاكرة الكبير هو مرض الزهايمر، وبالطبع فإن الجانب الأكثر إضعافًا في مرض الزهايمر هو فقدان الذاكرة العرضية بشكل عميق”.
وبما أن أدوية الزهايمر للبشر تخضع دائمًا لاختبارات على الحيوانات قبل أن تصل إلى التجارب البشرية، فقد أشار إلى أنه من المهم للعلماء أن يتمكنوا من معرفة ما إذا كانت هذه الأدوية تؤثر بالفعل على نوع الذكريات التي يفقدها مرضى الزهايمر.
ويختتم كريستال حديثه قائلًا: “لا يكفي مجرد تحسين الذاكرة، بل نحتاج إلى تحسين الذاكرة العرضية”، وأن الفهم الأفضل لكيفية اختبار الذاكرة العرضية لدى الحيوانات قد يساعد في جعل ذلك ممكنًا.