الفحص الافتراضي لا يتم تسجيله
## بين وعي الذات وتشخيص الإنترنت: كيف يؤثر “الهاشتاغ” على نظرتنا للصحة النفسية؟
لطالما كان الحديث عن الصحة النفسية في مجتمعاتنا العربية موضوعًا حساسًا، يُقابل غالبًا بالتجاهل أو حتى الإنكار. ولكن مع تزايد الوعي بأهمية الصحة النفسية، بدأت منصات التواصل الاجتماعي تلعب دورًا في كسر حاجز الصمت.
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 13% من الشباب العربي يعانون من اضطرابات نفسية مختلفة. ولكن بدلاً من اللجوء للمختصين، يلجأ الكثيرون إلى الإنترنت بحثًا عن إجابات وتفسيرات لما يشعرون به. فقد أظهرت دراسة حديثة أن البحث عن أعراض الأفكار الدخيلة والقلق والاكتئاب في تزايد مستمر، مما يعكس رغبة متنامية لفهم طبيعة هذه الأعراض.
وبينما يُشكل هذا الوعي المتزايد خطوة إيجابية، إلا أن الاعتماد على الإنترنت لتشخيص الحالة النفسية ينطوي على مخاطر عديدة. فقد يؤدي قراءة معلومات مُبسطة أو غير دقيقة إلى إحداث قلق وإرباك لدى الشخص، بل وإلى تأخير التشخيص السليم للحالة. فعلى سبيل المثال، قد يعتقد شخص ما أنه يعاني من اضطراب طيف التوحد (ASD) أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) بناءً على معلومات مُجتزأة عثر عليها على الإنترنت، بينما يكون التشخيص الحقيقي مختلفًا تمامًا.
ومع انتشار مقاطع الفيديو القصيرة على منصات مثل TikTok، أصبح من السهل نشر معلومات مُبسطة ومُضللة حول الصحة النفسية. فقد أصبحنا نرى مقاطع فيديو تُصوّر أعراض اضطرابات نفسية بطريقة سطحية أو مُبالغ فيها، مما يُؤدي إلى تشويه فهم الناس لهذه الاضطرابات. ويُمكن أن يُساهم هذا النوع من المحتوى في زيادة وصم المرض النفسى وإثارة الخوف والقلق لدى الآخرين. لذلك، من الضروري التأكد من مصداقية المعلومات التي نطّلع عليها وعدم التردد في طلب المساعدة من المختصين.
كيف نُواجه خطر التشخيص الخاطئ ونُعزز الوعي بالصحة النفسية؟
يتطلب التعامل مع موضوع الصحة النفسية على الإنترنت وعيًا وحذرًا. فمن الهام التأكيد على أن الإنترنت لا يُغني عن زيارة المختصين وأن التشخيص الدقيق يتطلب تقييمًا شاملاً من قبل طبيب نفسي أو معالج نفسي.
تُعد مواقع المؤسسات الصحية الموثوقة مثل منظمة الصحة العالمية والمعاهد الوطنية للصحة النفسية مصدرًا موثوقًا للحصول على معلومات دقيقة حول الصحة النفسية. كما يُمكن الاستفادة من المقالات والبحوث العلمية التي تُنشر في المجلات المُحكّمة. فعلى سبيل المثال، تُشير دراسة نشرت في مجلة علم النفس الإكلينيكي إلى أهمية دور الأسرة والمجتمع في دعم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية.
وبالإضافة إلى التوعية بأهمية طلب المساعدة من المختصين، يجب علينا كذلك مُحاربة وصم المرض النفسى وتشجيع الآخرين على التحدث بصراحة عما يشعرون به. فمن خلال خلق مجتمع يدعم الصحة النفسية، نستطيع مساعدة الجميع على الحصول على الدعم الذي يحتاجونه للعيش حياة صحية وسعيدة.
لماذا يُعد فهم “التنوع العصبي” مهمًا؟
أشارت دراسة أُجريت عام 2024 إلى أن أكثر من نصف المراهقين يلجؤون إلى منصات التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات حول الصحة النفسية. وتُظهر هذه الإحصائية مدى أهمية التوعية بمفهوم “التنوع العصبي” الذي يُشير إلى أن هناك طيفًا واسعًا من الوظائف العقلية والسلوكيات البشرية، وأن الاختلاف لا يعني بالضرورة وجود خلل أو مرض.
فعلى سبيل المثال، قد يواجه الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهرى أو متلازمة توريت تحديات في حياتهم اليومية، ولكنهم يمتلكون أيضًا مواهب وقدرات فريدة. ويساعدنا فهم “التنوع العصبي” على تقدير هذه الفروق الفردية وخلق مجتمع يُرحّب بالجميع.
تؤكد الأبحاث على أهمية “الإدماج الاجتماعي” للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بما فيهم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية. فبدلاً من نبذهم أو تهميشهم، يجب علينا العمل على دمجهم في المجتمع وتوفير الفرص المُتكافئة لهم. ويُمكن تحقيق ذلك من خلال نشر الوعي بمفهوم “التنوع العصبي” وتعزيز قبول الآخر مهما كانت اختلافاته.
وفي الختام، يُعد الوعي بموضوع الصحة النفسية مسؤولية جماعية. فلنعمل معًا على خلق مجتمع يدعم الصحة النفسية ويُقدّر “التنوع العصبي” ويُشجع على طلب المساعدة من المختصين عند الحاجة.
رحلة الفهم: كيف نساند من يعانون من اضطراب الهوية الانفصامية؟
يُعد اضطراب الهوية الانفصامية، المعروف سابقًا باسم “اضطراب الشخصية المتعددة”، حالةً نفسيةً معقدةً تُصيب نسبة ضئيلة من الناس. ولكن ما هو بالضبط اضطراب الهوية الانفصامية؟ باختصار، هو اضطرابٌ يتضمن وجود هويتين أو أكثر منفصلتين، أو حالات شخصية، تتحكم في سلوك الشخص المصاب بشكلٍ متناوب. وقد أظهرت الدراسات أن هذه الحالة غالبًا ما تكون نتيجةً لتعرض الشخص لصدمة نفسية شديدة في مرحلة الطفولة، كالتعرض للإيذاء أو الإهمال الشديد.
يُمكن أن تُسبب هذه الحالة العديد من الأعراض المُرهقة، بما في ذلك:
- فجوات في الذاكرة: قد يُعاني الشخص من صعوبة في تذكر معلومات شخصية هامة، أو أحداثٍ هامةٍ في حياته.
- تغيرات في السلوك: قد يتصرف الشخص بطرقٍ مختلفةٍ تمامًا عن شخصيته المعتادة، دون أن يكون على درايةٍ بذلك.
- صعوبة في العلاقات: قد يُعاني الشخص من صعوبةٍ في بناء علاقاتٍ صحيةٍ ومستقرةٍ مع الآخرين.
يُمكن أن يكون فهم هذه الحالة ودعم من يُعانون منها أمرًا صعبًا، ولكن هناك بعض الخطوات التي يُمكن اتخاذها لتقديم الدعم اللازم:
كيف نساند من يعانون من اضطراب الهوية الانفصامية؟
-
التعليم والوعي:
- تُعدّ الخطوة الأولى والأهم هي تثقيف أنفسنا حول هذه الحالة وفهم طبيعتها وأعراضها.
- تتوفر العديد من المصادر الموثوقة عبر الإنترنت، مثل موقع “مايو كلينك” و”المعهد الوطني للصحة العقلية”، التي تُقدم معلوماتٍ شاملةً ودقيقةً حول اضطراب الهوية الانفصامية.
-
التواصل الإيجابي:
- من المهم التواصل مع الشخص المصاب بطريقةٍ إيجابيةٍ وداعمةٍ، مع تجنب إصدار الأحكام أو إظهار علامات عدم التصديق.
- يُمكن أن يكون الاستماع الفعّال، وطرح الأسئلة المفتوحة، والتعبير عن التعاطف والدعم، من أهم الوسائل لبناء علاقةٍ صحيةٍ مع الشخص المصاب.
-
احترام الحدود:
- يجب احترام حدود الشخص المصاب، وعدم الضغط عليه للكشف عن معلوماتٍ لا يشعر بالراحة لمشاركتها.
- من المهم أيضًا تجنب محاولة ”إصلاح” الشخص المصاب، أو إجباره على التخلي عن هوياته الأخرى.
-
التشجيع على العلاج:
- يُعدّ العلاج النفسي، وخاصةً العلاج السلوكي المعرفي، من أهم طرق علاج اضطراب الهوية الانفصامية.
- قد يُساعد العلاج الشخص المصاب على فهم حالته بشكلٍ أفضل، وتعلم كيفية التعامل مع أعراضه، وتحسين جودة حياته.
-
الدعم المستمر:
- يحتاج الأشخاص المصابون باضطراب الهوية الانفصامية إلى الدعم المستمر من أحبائهم، وخاصةً خلال فترات التوتر والضغط النفسي.
- يُمكن تقديم الدعم من خلال الاستماع، وتقديم المساعدة العملية، والتعبير عن الحب والقبول غير المشروط.
نصائح هامة:
- تجنب استخدام مصطلحاتٍ قد تكون مُسيئةً أو مهينةً، مثل “مُزدوج الشخصية” أو “مُتصنع”.
- لا تُحاول التواصل مع هويات الشخص المصاب بشكلٍ مُنفصلٍ، إلا إذا طلب منك ذلك صراحةً.
- تذكر أن اضطراب الهوية الانفصامية هو حالةٌ حقيقيةٌ ومعقدةٌ، وليست مجرد “اختيار” من قِبل الشخص المصاب.
في الختام:
يُمكن أن يكون دعم شخصٍ يُعاني من اضطراب الهوية الانفصامية رحلةً طويلةً وصعبةً، ولكنها رحلةٌ مُجزيةٌ في النهاية. فمن خلال التعاطف، والتفهم، والدعم المستمر، يُمكننا مساعدة من يُعانون من هذه الحالة على عيش حياةٍ أكثر سعادةً وإنتاجيةً.
التشخيص الذاتي لصحة المراهقين النفسية في عصر الرقمية: تحديات وحلول
يشهد العالم الرقمي ازدهارًا هائلاً، لا سيما بين فئة المراهقين. ومع تزايد استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي، يزداد تعرّضهم لكمٍّ هائل من المعلومات، بما في ذلك تلك المتعلقة بالصحة النفسية. وعلى الرغم من الفوائد المحتملة لهذا الوصول، مثل زيادة الوعي بمشاكل الصحة النفسية وإمكانية الوصول إلى دعم الأقران، إلا أن هناك جانبًا سلبيًا يجب معالجته بعناية، وهو ظاهرة “التشخيص الذاتي”.
يُشير مصطلح “التشخيص الذاتي” إلى قيام الأفراد بتشخيص أنفسهم بحالات صحية نفسية بناءً على معلومات غير موثوقة من مصادر غير طبية، مثل مواقع التواصل الاجتماعي أو المنتديات عبر الإنترنت. فعلى سبيل المثال، قد يقرأ مراهق عن أعراض الاكتئاب على الإنترنت ويبدأ في الاعتقاد بأنه مصاب بهذه الحالة دون استشارة أخصائي طبي مؤهل. ووفقًا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة “طب المراهقين”، فإن ما يقرب من 40٪ من المراهقين الذين قاموا بتشخيص أنفسهم بحالة صحية نفسية عبر الإنترنت لم يتلقوا تشخيصًا رسميًا من قبل أخصائي.
تكمن خطورة التشخيص الذاتي في أنه قد يؤدي إلى عواقب غير مرغوبة، بما في ذلك:
- تأخير العلاج: قد يؤدي التشخيص الذاتي غير الدقيق إلى تأخير الحصول على العلاج المناسب من قبل أخصائي الصحة النفسية.
- العلاج الذاتي الخاطئ: قد يلجأ بعض المراهقين إلى العلاج الذاتي باستخدام معلومات غير دقيقة من الإنترنت، مما قد يؤدي إلى تفاقم حالتهم.
- وصمَة العار: قد يؤدي التشخيص الذاتي إلى وصمَة العار الاجتماعية، حيث قد يتجنب المراهقون طلب المساعدة خوفًا من ردود فعل الآخرين.
ولمعالجة هذه الظاهرة، يجب على الآباء والمعلمين وأخصائيي الصحة النفسية العمل معًا لتعزيز الوعي بمخاطر التشخيص الذاتي وتشجيع المراهقين على طلب المساعدة من مصادر موثوقة. إليك بعض النصائح:
- التثقيف الصحي النفسي: يجب توفير برامج تثقيفية حول الصحة النفسية في المدارس والمجتمعات لزيادة الوعي بهذه القضايا وتشجيع طلب المساعدة.
- تحسين التواصل: يجب على الآباء والمعلمين فتح قنوات تواصل مفتوحة مع المراهقين لتشجيعهم على التحدث عن مشاعرهم ومخاوفهم.
- تعزيز ثقافة طلب المساعدة: يجب علينا جميعًا العمل على القضاء على وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية وتشجيع المراهقين على طلب المساعدة من أخصائيي الصحة النفسية عند الحاجة.
ختامًا، يُعد التشخيص الذاتي لصحة المراهقين النفسية في العصر الرقمي تحديًا حقيقيًا، لكن يمكننا التغلب عليه من خلال تضافر الجهود وتعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية وطلب المساعدة من المصادر الموثوقة.