## بين ظلال الماضي وتطلعات المستقبل: رحلة المرأة الألمانية نحو المساواة
لا يمكن إنكار تأثير الماضي على حاضرنا، فنظرة خاطفة على تاريخ ألمانيا تكشف عن إرثٍ ثقيل من الحروب والصراعات، بدءًا من محاكمات الساحرات واضطهاد النساء في القرون الماضية، مرورًا بالحربين العالميتين اللتين ألقيتا بظلالهما على العالم أجمع. هذه التجارب القاسية خلّفت ندوبًا عميقة في النسيج الاجتماعي الألماني، وانعكست على شكل صدمات نفسية انتقلت عبر الأجيال، أو ما يُعرف بـ “الوراثة العاطفية” كما وصفها فرويد.
وعلى الرغم من أن العديد من الدول عانت ويلات الحروب، إلا أن التجربة الألمانية تمتاز بخصوصية كونها دولة معتدية ومهزومة في آنٍ واحد خلال فترة زمنية قصيرة. فبعد انتهاء الحرب، وجد الألمان أنفسهم في مرمى الاتهامات، يعانون من وطأة الهزيمة والخسائر الفادحة، مما أدى إلى ترسيخ شعور بالعار والذنب لا يزال صداه يتردد في الأجيال اللاحقة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للمرأة الألمانية؟
ترتبط مسألة المساواة بين الجنسين في ألمانيا ارتباطًا وثيقًا بتاريخها المضطرب. فمزيج من الشعور بالذنب والعار أدى إلى ترسيخ أنماط سلوكية تُعلي من شأن السلطة وتُرسخ لدور الرجل القوي. ورغم أن المرأة الألمانية أثبتت جدارتها في مختلف المجالات، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات في الوصول إلى مواقع القيادة والمشاركة الفعّالة في صنع القرار.
فعلى سبيل المثال، تشير إحصائيات موقع Statista إلى أن نسبة النساء في المواقع القيادية في الشركات الألمانية لا تزال أقل بكثير من نسبة الرجال. ويرجع ذلك جزئيًا إلى استمرار انتشار الصورة النمطية التي تصوّر الرجل على أنه القائد والصانع لللقرار، بينما تُعتبر المرأة أكثر ملاءمة للأدوار التقليدية داخل الأسرة.
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته المرأة الألمانية في مجال التعليم والعمل، إلا أنها لا تزال تواجه ضغوطًا مجتمعية للتوفيق بين حياتها المهنية ودورها كأم وزوجة. وتشير الدراسات إلى أن النساء في ألمانيا يقضين وقتًا أطول بكثير من الرجال في أعمال الرعاية المنزلية ورعاية الأطفال، مما يُعيق تقدمهن المهني ويُقلّل من فرصهن في الوصول إلى مواقع القيادة.
نحو مستقبل أكثر مساواة
لا شك أن المرأة الألمانية قطعت شوطًا طويلًا في نضالها من أجل المساواة، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا ومليئًا بالتحديات. ويتطلب تحقيق المساواة الحقيقية تغييرًا جذريًا في الذهنيات والمواقف المجتمعية، إضافة إلى سن قوانين وتشريعات تضمن تكافؤ الفرص بين الجنسين في جميع المجالات.
ولعل من أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق هذا الهدف هو تعزيز دور المرأة في المجال السياسي وتشجيعها على تولي مناصب القيادة. كما يتطلب الأمر العمل على تغيير الصورة النمطية للأدوار الجندرية في المجتمع، وذلك من خلال التوعية والتثقيف وإبراز نماذج نسائية ناجحة في مختلف المجالات.
إن المساواة بين الجنسين ليست مجرد مطلب أخلاقي وحقوقي، بل هي أيضًا ضرورة اقتصادية ومجتمعية. فقد أثبتت الدراسات أن المجتمعات التي تضمن المساواة بين الجنسين تتمتع بنسبة نمو اقتصادي أعلى ومستوى معيشي أفضل. ولذلك، فإن الاستثمار في تمكين المرأة هو استثمار في مستقبل ألمانيا بأكملها.