رحلة إلى قلب التوازن: دروس من حكمة بالي
عند هبوطك في جزيرة بالي الساحرة، ينتابك شعورٌ مختلف، شعورٌ بالسكينة والانسجام ينساب إليك من كل ركن. ثلاثة أسابيع قضيتها بين أحضان الطبيعة الخلابة وثقافة غنية جعلتني أغوص في أعماق فلسفة “تري هيتا كارانا”، ذلك المفهوم الذي يجسد سعي شعب بالي الدائم نحو التوازن في كل مناحي الحياة.
“تري هيتا كارانا”: ثلاثية الانسجام
في حديث شيّق جمعني بـ “كيتوت”، أحد سكان قرية “أبود” الخلابة، أخبرني أن “تري هيتا كارانا” ليست مجرد مفهوم فلسفي، بل هي أسلوب حياة متأصل في وجدان كل باليني. وتعني “ثلاثية أسباب السعادة”، حيث تمثل كل زاوية من هذه الثلاثية ركيزة أساسية لتحقيق التوازن والوئام:
1. الانسجام مع الآخر: يؤمن الباليون بأن الإنسان جزء لا يتجزأ من نسيج اجتماعي مترابط، وأن التعاون والاحترام المتبادل هما أساس هذا الترابط. وقد تجلى ذلك بوضوح في قصص “كيتوت” عن تكاتف أهل القرية في الأفراح والأحزان، فالجميع هنا يساند ويشارك في خلق نسيج اجتماعي متين.
2. الانسجام مع الطبيعة: تحظى الطبيعة بتقديس خاص لدى شعب بالي، فهي ليست مجرد مصدر للعيش، بل هي أم حنون تستحق كل احترام وتقدير. ويتجلى ذلك في طقوسهم واحتفالاتهم التي تعبّر عن امتنانهم للعناصر الطبيعية وتسعى للحفاظ على توازنها.
3. الانسجام مع الروح: يؤمن الباليون بوجود قوة عليا تدبّر الكون، ويسعون جاهداً للتواصل معها من خلال العبادات والتأملات والقرابين اليومية. فهذا التواصل الروحي يمنحهم الطمأنينة والسكينة ويضيء لهم درب الحياة.
“كانانج ساري”: عطر الامتنان اليومي
من أجمل ما لفت انتباهي في بالي هو “كانانج ساري”، تلك السلال الصغيرة المصنوعة من أوراق النخيل والمزينة بالزهور العطرة والتي توضع أمام المنازل والمحلات والمعابد كتعبير عن الامتنان للخالق على نعمه. إنها لوحة فنية تجسد عمق التدين والتقدير للجمال في الثقافة البالينية.
“أوم سواستياستو”: تحية من القلب
عند لقاء أي شخص في بالي، ستسمع تحية “أوم سواستياستو” والتي تعني “أتمنى لك البركة والسلامة”، وتصاحبها إشارة بأصابع اليد تدل على التقدير والاحترام. إنها ليست مجرد كلمات تقال، بل هي شعور صادق ينبع من القلب.
“تري هيتا كارانا”: رسالة عالمية
إن فلسفة “تري هيتا كارانا” ليست حكراً على شعب بالي، بل هي رسالة عالمية تدعو للانسجام والتوازن في عالم يغرق في صخب الحياة الحديثة. إنها تذكّرنا بأهمية التواصل مع أنفسنا ومحيطنا وبأن السعادة الحقيقية تكمن في تحقيق التوازن بين متطلبات الجسد والروح.