اضطراب الوسواس القهري غالبا ما يكون مفهوما بشكل خاطئ
## الهوس بالتفكير: عندما يتخطى القلق حدوده
كثيراً ما نسمع عبارة “أنا أعاني من الوسواس القهري” تُقال ببساطة للتعبير عن حب النظام أو الدقة، فنرى شخصاً يصف نفسه بالمصاب بالوسواس القهري لأنه يُرتّب خزانته بدقة متناهية. لكن الحقيقة أن اضطراب الوسواس القهري حالة أكثر تعقيداً من مجرد الاهتمام بالتفاصيل. هو دوامة من الأفكار والتخيلات المُلحة التي تُثير القلق والخوف، تدفع صاحبها إلى القيام بسلوكيات قهرية في محاولة يائسة للتخفيف من وطأة تلك الأفكار.
ولأن القلق يُعد مكوناً أساسياً في اضطراب الوسواس القهري، فقد يعتقد البعض، بمن فيهم بعض المُعالجين، أن التعامل معه يكون بنفس طريقة التعامل مع اضطرابات القلق الأخرى. لكن اضطراب الوسواس القهري يتميز بخصائص فريدة تجعله مختلفاً، وتستدعي أساليب علاجية خاصة.
## بين القلق واضطراب الوسواس القهري: أوجه التشابه والاختلاف
يتشابه القلق واضطراب الوسواس القهري في شعور “ماذا لو؟” الذي يسيطر على المصاب، وفي لجوء المُصاب إلى سلوكيات مُحددة لتقليل حدة التوتر. لكن يكمن الاختلاف الجوهري في استحالة تهدئة مخاوف مُصاب الوسواس القهري بأي حقائق أو تفسيرات منطقية.
لنأخذ مثال الخوف من الجراثيم: الشخص الذي يُعاني من قلق طبيعي سيغسل يديه عند الشعور بأنهما مُتّسختان، وستزول مخاوفه بمجرد الانتهاء من غسلها. أما مُصاب الوسواس القهري، فقد يُراوده الشك بعد غسل يديه، ويتساءل: “ماذا لو لم أستخدم كمية كافية من الصابون؟” فينخرط في غسلها مُجدداً، ليتكرر السيناريو ذاته مع كل مرة يشعر فيها بالاطمئنان.
تكمن معاناة مُصاب الوسواس القهري في عدم قدرته على تهدئة أفكاره المُلحة بأي قدر من المنطق أو الطمأنة، فيبقى عالقاً في حلقة مُفرغة من الشك والقلق.
## عندما تُصبح الأفكار عدواً
من أبرز سمات اضطراب الوسواس القهري أن الأفكار التي تُراود المُصاب تكون مُتناقضة مع ذاته وقيمه، مما يُشعره بالضيق والانزعاج. فعلى الرغم من إدراكه بعدم منطقية تلك الأفكار، إلا أنه لا يستطيع التوقف عن التفكير فيها.
## طرق غير مُجدية في التعامل مع الوسواس القهري
نظراً للفروق الجذرية بين القلق و اضطراب الوسواس القهري، فإن بعض الاستراتيجيات التي تُستخدم في التعامل مع القلق قد تكون غير مُجدية، بل قد تؤدي إلى تفاقم أعراض الوسواس القهري، منها:
- مُحاولة تحدي الأفكار المُقلقة: قد يُعزز هذا الأسلوب من الشك الذاتي لدى المُصاب، ويُضعف ثقته بنفسه.
- التعامل مع الفكرة المُقلقة بفضول: قد يُشجع هذا الأسلوب على التركيز على الرسائل السلبية للوسواس القهري، ويُقنع المُصاب بأنها صحيحة.
- البحث عن الجذور الأساسية للأفكار المُقلقة: قد يُغذي هذا الأسلوب الشك الذاتي لدى المُصاب، ويُشعره بعدم القدرة على فهم نفسه.
- البحث عن الطمأنة: يُعد هذا السلوك قهرياً، ولا يُساعد إلا في زيادة القلق والتوتر.
لذلك، من الضروري التوعية بأهمية التفريق بين القلق و اضطراب الوسواس القهري، وفهم الطبيعة المُعقدة لهذا الاضطراب، واختيار الأساليب العلاجية المناسبة التي تُساعد المُصاب على التعافي والتمتع بحياة طبيعية.