احتضان لحظات الضجر: كيف تُضاعف متعتك على المدى الطويل؟
المصدر: Yan Krukau/Pexels
من منا لم يشعر بمرارة خيبة الأمل بعد انتهاء علاقة عاطفية، أو فقدان وظيفة، أو حتى بعد تحقيق إنجاز كبير كالتخرج من الجامعة؟ نشعر بالسعادة الغامرة عندما نُمسك بزمام الأمور، ولكن غالبًا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فنُفاجأ بأحداث غير متوقعة تتركنا غارقين في بحر من الحزن والقلق.
قد يتسلل إلينا هذا الشعور السلبي ذاته بعد انتهاء وجبة شهية، أو قراءة كتاب مُشوق، أو مشاهدة فيلمٍ آسر. نرفض أن تنتهي هذه التجارب لأنها ببساطة تعني نهاية المتعة، فنُصاب بحالة من الفراغ ونردد في أنفسنا: “ماذا بعد؟”.
المثير للدهشة أن مشاعرنا تتأثر بنفس السبب البيولوجي، ألا وهو هرمون الدوبامين، بغض النظر عن مصدر الإحباط.
يُعد الدوبامين ناقلًا عصبيًا هامًا يُنظم سلوكياتنا، فهو بمثابة شرارة الحماس والدافع، ويؤثر بشكل كبير على ما نراه ذو قيمة ويستحق جهودنا. يتم إنتاجه بشكل طبيعي في أجسامنا من حمض التيروزين الأميني (الموجود في الأطعمة الغنية بالبروتين)، ويُطلق عند توقع المكافآت أو الحصول عليها، مما يعزز شعورنا بالرضا عن أي شيء نعتقد أنه أدى إلى تلك النتيجة (شولتز، 2016). يلعب الدوبامين دورًا حاسمًا في التعلم، واتخاذ القرارات، وتنظيم الدوافع، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة الحركية.
التحدي: لعبة التوازن الدقيق للدوبامين
يسعى دماغنا جاهدًا للحفاظ على مستويات الدوبامين عند المستوى الأمثل (التوازن الداخلي)، تمامًا مثل معظم الوظائف العصبية، لذا عليه أن يوازن بين أي ارتفاعات أو انخفاضات مفاجئة (فيراريو وآخرون، 2016). لكل منا مستوى أساسي طبيعي للدوبامين – نقطة انطلاق لنشاط الدوبامين في الدماغ. وهذا المستوى ليس ثابتًا، بل يتغير بناءً على تجاربنا وسلوكياتنا.
عندما ننخرط في أنشطة ممتعة، ترتفع مستويات الدوبامين لدينا، مما يمنحنا شعورًا بالسعادة والرضا. لكن، سرعان ما يتكيف دماغنا مع هذه المستويات المرتفعة. فإذا واصلنا الانخراط في أنشطة محفزة للغاية، فإن توقعاتنا للدوبامين ترتفع تدريجيًا، فنرغب في المزيد. يُعد هذا التكيف وسيلة دماغنا للحفاظ على التوازن، لكنه يأتي بثمن: فقد لا نشعر بنفس المتعة من الأنشطة التي كانت تجلب لنا السعادة سابقًا.
عندما نختبر شيئًا مُجزًا للغاية – سواء كانت وجبة لذيذة، أو تجربة مرضية، أو حتى استخدام بعض المواد (مثل النيكوتين أو الكحول) - يزداد إفراز الدوبامين في دماغنا. تُولد هذه الزيادة مشاعر قوية من المتعة وتُعزز السلوك الذي أدى إلى المكافأة (Hsu et al.، 2018). إنها طريقة الطبيعة لتشجيعنا على تكرار الأفعال المفيدة.
لكن، كما نعلم جميعًا، ما يرتفع لا بد أن ينخفض. فبعد ذروة الدوبامين، غالبًا ما تأتي فترة من النضوب. يحتاج دماغنا، بعد إطلاق كمية كبيرة من الدوبامين، إلى وقت لإعادة ملء مخزونه. خلال هذا الوقت، قد نعاني من مجموعة من الآثار السلبية: انخفاض المتعة من الأنشطة العادية، وزيادة التهيج أو تقلب المزاج، وصعوبة التركيز، والرغبة الشديدة في تجربة محفزة (Lembke، 2021). يمكن أن تكون هذه الحالة من نقص الدوبامين مزعجة ومؤلمة نفسيًا.
الحل: احتضان فترات الضجر
قد يبدو الحل البديهي هو البحث عن المزيد من مصادر المتعة. لكن تكمن المشكلة في أن التجارب اللاحقة لا تُضاهي أبدًا متعة التجربة الأولى، والدوبامين هو المسؤول عن ذلك أيضًا. على سبيل المثال، إذا شاهدت نفس الفيلم عدة مرات، فإن الإثارة التي شعرت بها في المرة الأولى ستتلاشى تدريجيًا. يحدث هذا لأن دماغك يعمل وفقًا لآلية تقييم المكافآت بناءً على توقعاتك مقابل ما تحصل عليه بالفعل. عندما تتجاوز التجربة توقعاتك، فإن دماغك يُكافئك بإفراز الدوبامين. أما عندما لا تُلبي التجربة توقعاتك، فإما أن توقعاتك كانت عالية جدًا، أو أن التجربة كانت عادية جدًا. إن تكرار نفس السلوك لا يُكرر أبدًا تدفق الدوبامين الأولي، وبالتالي نُصاب بالتبلد. وإذا كان مصدر الدوبامين مواد أو سلوكيات ضارة، فقد يؤدي ذلك إلى الإدمان.
يكمن الحل الحقيقي في إدخال فترات منتظمة من “إعادة ضبط الدوبامين”. خلال هذه الفترات، قد نشعر بعدم الراحة والضجر لأننا نحرم دماغنا مما اعتاد عليه. إن مقاومة الرغبة في البحث عن الإشباع الفوري تتطلب جهدًا كبيرًا، وقد تبدو مهمة شاقة. لكن هذه العملية مُتجذرة في طبيعتنا البيولوجية التي تؤكد أن عدم الراحة تُغذي المتعة. فمن خلال إدخال فترات من “التقشف” المُتعمد، يمكننا إعادة ضبط نظام المكافأة في أذهاننا.
تُساهم هذه الفترات في تحقيق عدة فوائد:
- زيادة الحساسية للمتعة: تسمح إعادة ضبط الدوبامين باستعادة حساسية دماغنا للمتعة، مما يعني أننا سنشعر بمزيد من الرضا عند الانخراط في أنشطة ممتعة مرة أخرى. تخيل كم ستستمتع بوجبتك المفضلة إذا لم تتناولها لشهور!
- تقدير الأشياء البسيطة: يُساعدنا خفض مستوى الدوبامين الأساسي على تقدير الأشياء البسيطة في الحياة، مما يجعل تجاربنا اليومية أكثر إمتاعًا.
- بناء المرونة النفسية: إن تعلم تحمل فترات الضجر أو انخفاض التحفيز يُعزز قدرتنا على التكيف مع المواقف الصعبة، ويُذكرنا بأننا نستطيع إيجاد القيمة في اللحظات الأقل إثارة.
- زيادة الدافع والتركيز: عندما نعود إلى ممارسة الأنشطة الممتعة بعد فترة من الامتناع، غالبًا ما يزداد دافعنا للمشاركة فيها، مما يؤدي إلى تقدير أكبر والاستمتاع بها بشكل أعمق.
- كسر دائرة الإدمان: بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من