## جدران وهمية: إعادة التفكير في نظرتنا للإعاقة
في رحلةٍ لي إلى ريف أيرلندا الساحر، لفتت انتباهي تلك الجدران الحجرية التي تشقّ المساحات الخضراء. لم تكن مجرد جدران تحدد الملكيات أو ترعى الماشية، بل كانت “جدران المجاعة” شاهدة على حقبةٍ قاسية من تاريخ أيرلندا.
المصدر: ديبرا براوس
فبين عامي 1845 و 1852، اجتاحت المجاعة أيرلندا بعد أن قضى اللفحة المتأخرة على محصول البطاطس، مما أدى إلى وفاة مليون شخص وهجرة الملايين. ورغم أن أيرلندا كانت جزءًا من المملكة المتحدة، إلا أن الحكومة البريطانية آنذاك اعتبرت المجاعة مشكلة أيرلندية بحتة. فبدلاً من تقديم المساعدة المباشرة، تم إجبار الشعب الأيرلندي على العمل الشاق مقابل لقمة العيش، وكأن الفقر اختياراً وليس قضاءً و قدرًا. وكانت “جدران المجاعة” نتاجاً لهذه السياسة القاسية، حيث تم بناؤها كشكل من أشكال الإغاثة التي لا طائل من ورائها.
تعكس هذه القصة المأساوية بشكلٍ مذهل نظرة بعض المجتمعات للأشخاص ذوي الإعاقة والمرضى والمحتاجين. فقد ترسخت في اللاوعي الجماعي فكرة ”المحتال” الذي يتظاهر بالحاجة للاستفادة من الدعم الحكومي. فعلى سبيل المثال، تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الاحتيال في مطالبات الإعاقة في الولايات المتحدة تقل عن 1% (ssa.gov)، ومع ذلك لا تزال صورة “المحتال” سائدة وتؤثر على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الحصول على الدعم الذي يستحقونه.
وتزداد المشكلة تعقيدًا مع طبيعة الإعاقة المتغيرة. فقد يتمكن الشخص الذي يستخدم كرسيًا متحركًا من المشي لمسافات قصيرة في بعض الأحيان، وقد يعاني شخص آخر من ألم مزمن يتفاوت بين يوم وآخر. وهذا التغير يُغذي شكوك البعض ويجعلهم ينظرون إلى الأشخاص ذوي الإعاقة بعين الريبة.
المصدر: روبرت/أدوبي ستوك
وقد لاحظت من خلال عملي مع الأشخاص ذوي الإعاقة أن الكثير منهم يترددون في طلب المساعدة أو استخدام حقوقهم خوفًا من النظر إليهم كـ “محتالين”. فقد تخلى بعضهم عن استخدام تصاريح وقوف السيارات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة لتجنب نظرات الآخرين، بينما رفض آخرون الحصول على الدعم المادي رغم حاجتهم المُلحة له.
ولفهم هذه الظاهرة بشكل أعمق، يمكننا الاستعانة بالنظرية النفسية التي تُسلط الضوء على “آلية الانقسام” كوسيلة دفاعية نستخدمها لتبسيط العالم من حولنا. فمنذ الطفولة، نميل إلى تقسيم الأشياء إلى “جيدة” و “سيئة” لتسهيل فهمنا لها. ومع الوقت، قد نطبق هذه الآلية على المجموعات الاجتماعية الأخرى، فنرى أنفسنا “أسوياء” ونصنف الآخرين كـ “مختلفين” أو “غرباء”.
المصدر: مارك كاريل/أدوبي ستوك
وبالتالي، فإن نظرتنا للإعاقة لا تنفصل عن مخاوفنا ومعتقداتنا الداخلية. فبدلاً من بناء “جدران وهمية” بيننا وبين الأشخاص ذوي الإعاقة، علينا أن نعمل على هدم جدران الخوف والجهل التي تمنعنا من التواصل معهم كوُجود إنساني متكامل. فلنحتفل بشهر فخر ذوي الإعاقة من خلال التعرف على تجاربهم ونشر الوعي بحقوقهم وتحدياتهم.