## وداعًا لدائرة الراحة: رحلة النمو والتغيير
يُقال أن الإنسان عندما يُقرر تغيير حياته جذريًا، عليه تغيير كل ما اعتاده، بدايةً من بيئته وصولًا إلى رفاقه. هذا التغيير الجذري، وإن كان ضروريًا للتخلص من أنماط الحياة القديمة، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون بهذه الحدة للجميع.
فالنضج الفكري والوعي الذاتي غالبًا ما يكشفان لنا حقيقة علاقاتنا، فنكتشف أن بعض الأصدقاء وبعض الخيارات التي كانت تبدو طبيعية في السابق، لم تعد كذلك. قد نشعر بالارتباك والحيرة، ونتساءل: لماذا أصبح من الصعب التواصل مع أصدقائي القدامى؟ ولماذا أشعر بالغربة في محيطي المعتاد؟
تكمن الإجابة في أننا كلما تعلمنا عن أنفسنا، كلما ارتفع وعينا، قلّ تقبلنا لما هو سطحي. يصبح من الصعب علينا التعامل مع من لا يشاركوننا نفس النظرة للعالم، ونشعر بعدم الارتياح لعدم قدرتهم على فهم خياراتنا الجديدة.
ولكن هل يعني هذا أننا مخطئون؟ بالطبع لا، بل على العكس تمامًا، فهذا دليل على أننا نسير في الاتجاه الصحيح. لقد بدأنا نعي أنفسنا ونرى العالم بوضوح أكبر، وندرك أن الخيارات التي كنا نتخذها سابقًا ربما كانت بدافع الخوف أو الحماية، وليس انعكاسًا لرغباتنا الحقيقية.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت لبناء علاقات جديدة تتناسب مع “أنا” الجديدة، وقد نشعر بالوحدة وعدم الأمان خلال هذه المرحلة الانتقالية. ولكن من المهم أن نتذكر أن هذا الشعور طبيعي، وأننا لسنا وحدنا في هذه الرحلة.
يُذكرنا قصة خروج بني إسرائيل من مصر بأن التغيير الحقيقي يتطلب التخلي عن الماضي والمضي قدمًا نحو المستقبل، مهما بدت التحديات صعبة. فبعد أن فتح البحر الأحمر لهم للهروب من العبودية، أُغلق في وجه المصريين الذين كانوا يلحقون بهم، مما يعني أنه لم يعد هناك مكان للرجوع.
وكما تجول الإسرائيليون في الصحراء لمدة أربعين عامًا قبل الوصول إلى الأرض الموعودة، فإن رحلة النمو الشخصي قد تستغرق بعض الوقت والصبر. ولكن المهم هو أن نستمر في المضي قدمًا، وأن نثق أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وأن الوعي الذي وصلنا إليه لا يمكن التخلي عنه بسهولة.