## هل تحولت وحشية العنف إلى ترفيه في عالمنا العربي؟
كثيرا ما نُناقش دوافع الاستمتاع بمشاهدة العنف في الأفلام، وننسى أنّه ليس بالضرورة أن يستمتع به الجميع. فالأبحاث، مثل تلك التي نُشرت في tandfonline، تُشير إلى أن الأشخاص ذوي الميول العدوانية أو من يفتقرون للتعاطف هم الأكثر انجذابًا لمشاهدة العنف على الشاشة، مقارنةً بغيرهم ممن يميلون للهدوء.
## هل أصبح العنف المفرط هو القاعدة؟
أصبحت أفلام العنف، أو ما يُطلق عليها غالبًا أفلام “الأكشن”، تُعرض بشكلٍ مُفرط على مختلف القنوات التلفزيونية وخدمات البث، وحتى في دور السينما. تحوّل ما كان يُعتبر عنفًا صادمًا في الماضي إلى مشهدٍ عاديٍّ اليوم. ورغم التحذيرات التي قد تظهر في بداية بعض الأفلام، إلا أنها لا تُغني عن حقيقة أننا نُغرق بمشاهد عنيفة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مُنتجات الترفيه.
فعلى سبيل المثال، قد نجد فيلمًا وثائقيًا عن الهولوكوست، يحمل في طياته مشاهد قاسية ومؤلمة نفسياً، يحمل تحذيرًا عن “التدخين” و “شرب الكحول” فقط!
لطالما كانت هوليوود أكثر تساهلاً مع مشاهد العنف مقارنةً بمشاهد الجنس. لكن حتى العنف في الماضي كان يُصوّر بطريقةٍ مُغايرة. ففي أفلام الغرب القديمة، كان موت الأشخاص أثناء المعارك يُصوّر بشكلٍ سطحيٍّ وغير واقعي. أما اليوم، ومع مخرجين مثل كوينتين تارانتينو، أصبح العنف مُحتفىً به، يُصوّر بطريقةٍ شخصيةٍ وحيةٍ تُثير الدهشة والصدمة. والمُفارقة أن الجنس هو من يُواجه الرقابة الأكثر صرامة، وكأن الفرق ضئيل بين مشهد عاطفي وآخر يُصوّر اعتداءً جنسيًا!
## هل العنف مُبرّر دراميًا؟
قد يكون العنف ضروريًا في بعض الأحيان لدفع أحداث القصة أو لإثارة التعاطف مع الشخصيات. لكن في أحيانٍ أخرى، يبدو العنف هو الهدف الرئيسي، بغض النظر عن السياق الدرامي. قد يُقال إننا نستمتع بهذه المشاهد لأنها تُشبع رغبتنا في الانتقام من المُخطئين، وهو أمر قد لا نستطيع فعله في الواقع. فنرى مثلاً روبرت دي نيرو في فيلم ”سائق سيارة أجرة” وهو يُطلق النار على شخصية بغيضة، أو ليام نيسون وهو يُقاتل الأشرار في سلسلة أفلام “مأخوذ”. صحيح أن هذه المشاهد قد تُشعرنا بالرضا لأن البطل ينتصر في النهاية، لكن ماذا عن الأبرياء الذين يسقطون ضحايا لهذا العنف المُفرط؟
## هل العنف الترفيهي ضارٌ فعلاً؟
السؤال الأهم ليس لماذا يستمتع البعض بمشاهدة العنف، بل هل يُمكن أن يُؤدي التعرض له في الأفلام والتلفزيون إلى زيادة العنف في الواقع؟ للإجابة على هذا السؤال، علينا النظر إلى الأبحاث العلمية التي أثبتت وجود علاقة بين العنف المُشاهَد والسلوك العدواني. ففي دراسة نُشرت في المكتبة الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية، وُجد أن التعرض للصور العنيفة يُمكن أن يُؤدي إلى زيادة السلوك العدواني لدى الأطفال والمراهقين.
المُثير للدهشة أن مستويات العنف في وسائل الترفيه تزداد بشكلٍ مُستمر، ولا تُقابل بالرفض فحسب، بل قد تُقابل بالإشادة من قبل بعض النقاد. كما أثبتت بعض الدراسات، مثل تلك التي نُشرت في Oxford Academic، أن الجمهور العام (باستثناء ذوي الميول العدوانية) لا يستمتع فعليًا بمشاهدة العنف بقدر ما يُصوّر.
لذا، يبدو أننا أمام مُعضلة حقيقية، فنحن نُغرق في مُحتوى عنيف لا نستمتع به بالضرورة، وقد يكون له تأثير سلبي على سلوكنا كمجتمع. فهل حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم الترفيه الذي نُقدّمه للأجيال القادمة؟