## عندما تتوقف عن إثبات نفسك، تبدأ رحلة اكتشاف الذات
كم مرة حاولت فيها إثبات نفسك للآخرين؟ أنك على حق، وأن رأيك مهم، وأنك لست غبيًا، وأنك قادر على الحب بطريقة صحية، وأنك ناجح… والقائمة تطول. كل هذا يدور حول قيمتك الذاتية، محاولًا إقناع الآخرين (ولكن الأهم من ذلك، إقناع نفسك) بأنك تستحق شيئًا ما.
نبحث عن هذا التصديق بشكل مستمر، ولكن عندما ننشغل بإثبات ذواتنا، فإننا نعيش في حالة من الزيف. نُصبح أشخاصًا نرغب أن نكونهم، لا أشخاصًا نحن عليها بالفعل. وهنا تكمن المشكلة، فنحن بذلك نخفي مواهبنا الفريدة ونحد من إمكاناتنا الحقيقية.
تخيل أنك في حفل ما، وتحاول جاهدًا أن تندمج مع الآخرين. أنت هنا لا تُظهر ذاتك الحقيقية، بل نسخة مُصطنعة تخشى من لفت الأنظار أو عدم نيل إعجاب الآخرين. أما أن تكون صادقًا مع نفسك، فهذا يعني أن تكون على طبيعتك في كل لحظة، وهذا – صدقني – أصعب مما تتصور.
فكّر في الأمر، متى كانت آخر مرة كنت فيها على طبيعتك تمامًا دون تصنع؟ ربما عندما كنت وحدك فقط! أغلبنا يعيش بأقنعة مختلفة تتغير بتغير الأشخاص والأماكن. وكلما قلّ بحثك عن الاستحسان من الآخرين، زادت شفافيتك مع نفسك ومعهم.
الجميل في الأمر أنك لست وحدك، فمعظم الناس يفعلون الشيء ذاته. لذلك عندما تُظهر ذاتك الحقيقية بشكل عفوي، سيلاحظ البعض ذلك. قد لا يعجب البعض الأمر، لكن آخرين سيحبونه، وسيُقدرون صدقك وعفويتك. هؤلاء هم من يستحقون أن يكونوا جزءًا من حياتك.
في بداية الثلاثينيات من عمري، حوّلتُ مطعم عائلتي إلى نادي ليلي فاخر. كان المكان يعجّ بالزبائن من مشاهير ونجوم هوليوود. أتذكر نفسي وأنا أجلس مع فنانين ومشاهير، وأفكر: “ماذا أفعل هنا؟”. كان الجميع لطفاء معي، وكان الاهتمام بي كبيرًا، لكن في الواقع، كنت أشعر بالضياع لأنني لم أكن أنا. كنت أرتدي قناعًا للحصول على القبول والتقدير، ولكن بأي ثمن؟
اليوم، أدركت أن أهم ما أملكه هو نفسي. لا ألقاب ولا أموال ولا شهرة تُساوي شيئًا أمام راحة الضمير وعيش الحياة بصدق. أنا اليوم أُقدم نفسي كما أنا، من يحبني فأهلاً به، ومن لا فله مطلق الحرية.
التحرر من قيود الإثبات
لم أعد أشعر بالحاجة لإثبات نفسي لأي شخص. أصدقائي اليوم يُحبونني لشخصي، لا لما أستطيع أن أقدمه لهم. صحيح أن عدد أصدقائي قلّ، لكن أصبح لدي أصدقاء حقيقيون يدعمونني ويُحبونني كما أنا.
في البداية، شعرت بالغربة عندما بدأت بالتخلي عن قناعي. كنت أشعر بالضعف والانكشاف، ولكن مع المرور بالوقت، بدأت أعتاد على شعور التحرر الذي ينبع من داخلي. بدأت أُدرك أن قوتي تكمن في قبولي لنفس كما هي.
عندما تتوقف عن إثبات نفسك للآخرين، تبدأ رحلة اكتشاف الذات الحقيقية. رحلة تتطلب الشجاعة والصبر، ولكنها في النهاية رحلة تستحق العناء.