## هل تُرى الجنازات الباذخة ملاذًا من شبح الموت؟
كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “التقارير النفسية” عن وجود علاقة وطيدة بين الخوف من الموت والميل نحو الإنفاق الباذخ على الجنازات، فيما يُعرف بـ “الاستهلاك المرتبط بالمكانة الاجتماعية”. وأشارت الدراسة إلى أن تجنب التفكير بالموت يلعب دورًا جزئيًا في هذه العلاقة، وأن التعلق بالماديات يزيد من ارتباط الخوف من الموت بالنفقات الباهظة على الجنازات.
وجاءت هذه الدراسة مدفوعةً بالنمو الملحوظ في صناعة الجنازات، والتي تُقدر قيمتها بنحو 18 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2022. وعلى الرغم من توسع هذه الصناعة وارتفاع تكاليفها، إلا أن الدوافع وراء هذا الإنفاق المُفرط على منتجات وخدمات الجنازات لا تزال غير مفهومة بشكل كامل.
وغالبًا ما تغفل الأبحاث السابقة دوافع اختيار المنتجات المتعلقة بالموت، مركزةً بشكلٍ أكبر على الاستهلاك المرتبط بالحياة. وتسعى هذه الدراسة إلى سد هذه الفجوة من خلال دراسة تأثير مواقف الأفراد تجاه الموت على استهلاكهم لمنتجات وخدمات الجنازات ذات القيمة الاجتماعية العالية.
ولفهم هذه العلاقات، أجرى الباحثون استطلاعًا شمل 346 مشاركًا ممن تزيد أعمارهم عن 18 عامًا، تم اختيارهم عبر منصة “أمازون ميكانيكال ترك” لضمان تنوع العينة. وتراوحت أعمار غالبية المشاركين بين 35 و 54 عامًا، مع توزيع متساوٍ تقريبًا بين الذكور والإناث. وتنوعت خلفياتهم التعليمية، حيث كانت أكبر نسبة من خريجي الجامعات.
وقام الاستطلاع بقياس أربعة مفاهيم رئيسية هي: الخوف من الموت، وتجنب الموت، والمادية، واستهلاك المكانة الاجتماعية المرتبطة بالموت. تم قياس الخوف من الموت من خلال عبارات مثل “أخشى الموت بشدة”، بينما تم قياس تجنب الموت من خلال عبارات مثل “أتجنب التفكير في الموت”. أما المادية، فتم قياسها من خلال عبارات تعكس الإعجاب بالممتلكات الثمينة. بينما شمل استهلاك المكانة الاجتماعية المرتبطة بالموت بنودًا مثل “يجب أن تكون أجواء الجنازات رائعة”.
ووجد الباحثون علاقة إيجابية قوية بين الخوف من الموت واستهلاك المكانة الاجتماعية المرتبطة به. فالأفراد الذين أبلغوا عن مستويات أعلى من الخوف من الموت كانوا أكثر ميلًا للإنفاق على منتجات وخدمات الجنازة ذات القيمة الاجتماعية العالية. يشير هذا إلى أن الخوف من الموت قد يدفع الناس إلى الاستثمار في جنازات باهظة كوسيلة للتعامل مع قلقهم.
كما أظهرت الدراسة أن تجنب الموت يلعب دورًا جزئيًا في العلاقة بين الخوف من الموت واستهلاك المكانة الاجتماعية. وهذا يعني أن الأشخاص الذين يتجنبون التفكير في الموت قد يكونون أكثر ميلًا للإنفاق على منتجات الجنازة ذات القيمة الاجتماعية العالية، لكن هذا التجنب لا يفسر سوى جزء من سلوك الإنفاق الإجمالي. وظل التأثير المباشر للخوف من الموت على استهلاك المكانة الاجتماعية كبيرًا حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار عامل تجنب الموت.
كما تبين أن المادية تعزز العلاقة بين الخوف من الموت واستهلاك المكانة الاجتماعية. فالأشخاص الذين يميلون إلى الماديات كانوا أكثر ميلًا للإنفاق على الجنازات بهدف تحقيق مكانة اجتماعية عندما يشعرون بالخوف من الموت. ومع ذلك، لم يكن للمادية تأثير كبير على العلاقة بين تجنب الموت واستهلاك المكانة الاجتماعية.
وخلص الباحثون إلى أن “نتائج البحث تشير عمومًا إلى أن الأفراد ينظرون إلى استهلاك المكانة الاجتماعية المرتبطة بالموت على أنه هروب من التفكير بالموت. ومع ذلك، لم يتم بحث كيفية مساهمة هذا الشكل من الاستهلاك في تحسين حالة أسر المتوفين النفسية”.
“ونظرًا لهذه الفجوة في الأبحاث، فإن الدراسات المستقبلية مطالبة بالتركيز على ما إذا كان الاستهلاك المرتبط بالموت يمثل آلية إيجابية للتعامل مع الخوف والقلق بشأن الموت، أم أنه مجرد عامل يدفع الأسر إلى سلوك استهلاكي غير مُجدٍ. وبما أن مفاهيم مثل الراحة النفسية والسعادة مألوفة لدى كل من الباحثين في مجال الاستهلاك والباحثين في مجال الموت، فمن المتوقع أن تساهم نتائج هذه الأبحاث في ربط التخصصين”.
الجدير بالذكر أن الدراسة التي تحمل عنوان ” استهلاك المكانة كوسيلة للتعامل مع الخوف من الموت: الدور الوسيط لتجنب الموت والدور المعتدل للمادية” ألفها كل من هاكان جنكيز وجوان كاشياتور.